تحریر المجله المجلد 4

اشارة

شماره بازیابی : 51-81060

وضعیت نمایه سازی : اطلاعات ثبت

شماره کتابشناسی ملی : 2870819

عنوان و نام پديدآور : تحریر المجله، تالیف آیةاله فقید محمدحسین آل کاشف الغطاء

مقطع و رشته تحصیلی : قضائی. عربی

ملاحظات: اين كتاب در كتاب فروشى نجاح در تهران و كتابفروشى فيروزآبادى در قم افست شده است.

مشخصات نشر : عراق. نجف اشرف، المكتبة المرتضوية.1359. ج 5

مشخصات ظاهری : 1146 ورق.

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم اللّٰه و له الحمد و المجد

الكتاب الحادي عشر في الوكالة

اشارة

و يشتمل على مقدمة و ثلاثة أبواب

ص: 3

ص: 4

المقدمة في بيان بعض الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالوكالة

اشارة

مادة (1449)

الوكالة:

تفويض أحد امره لآخر و إقامته مقامه، هذا التعريف كما ترى من الضعف و القصور في الغاية و كأنهم نظروا إلى الوكالة بالمعنى العام لا بالمعنى الاصطلاحي عند الفقهاء، فقد عرفها الشهيد قدس سره في (اللمعة) بأنها استنابة في التصرف و زاد فيه السيد الأستاذ رضوان اللّٰه عليه، في أمر من الأمور حال حياته، لا خراج الوصاية التي هي استنابة في التصرف بعد الممات و كلا القيدين لا لزوم فيهما فإن الوصاية ليست استنابة بل نحو ولاية و لذا لا ينعزل إلا بالخيانة، و كيف كان فتعاريف الفريقين لهذه العقود ليست هي الحقيقة بل شبح منها، اما حقيقة الوكالة فهي

ص: 5

عقد يفيد تسليط الغير على التصرف فيما له التصرف فيه فان كان في حال الحياة فقط فهو الوكالة و ان كان بعد الموت فهو الوصاية و قد تكثر استعمال هذا اللفظ و مشتقاته في الكتاب الكريم على أنحاء شتى و أساليب مختلفة: لا إله الا هو خالق كل شي ء و هو على كل شي ء وكيل حسبنا اللّٰه و نعم الوكيل الى كثير من أمثالهما: عليه توكلنا، و كلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين، و الجميع يرجع الى أصل واحد و هو السلطة عامة أو خاصة فلله جل شانه السلطة العامة و في غيره السلطة الخاصة منه لعباده أو من بعضهم لبعض و اليه يرجع معنى المحامي و الناصر و عليك بتطبيق ذلك في سائر الموارد بلطف ذوق و قريحة و هي عند المشهور عقد و لكن الأستاد قوى انها ليست عقدا فقال ما نصه: و الأقوى عدم كونها من العقود فلا يعتبر فيها القبول و لذا ذكروا انه لو قال وكلتك في بيع داري فباعه صح بيعه و الظاهر ذلك و ان غفل عن قصد النيابة الى ان قال: و المراد من عدم كونها من العقود انه لا يشترط في تحققها القبول و الا فلو أوقعت بنحو الإيجاب يكون عقدا و يتحصل انها تتحقق بكل من الوجهين، و انتهى أقول ان هذا من المباحث التي استرسل فيها الأصحاب و تساهلوا و التحقيق العميق وراء ما ذكروا و ان حقيقة الوكالة ليست استنابة و لا اذنا في التصرف و ان تشابها أو تشاركا في الأثر و هو حلية التصرف أو نفوذه و لكن تظهر الثمرة في آثار أخرى فإن حاق جوهر الوكالة كما

ص: 6

عرفت هو إعطاء سلطة الغير و من المعلوم ان هذه السلطة لا تكون للغير قهرا عليه بل انما تكون له إذا قبلها باختياره غايته ان قبولها لا يشترط فيه ان يكون بلفظ خاص بل يكفي كلما دل عليه بل لا يلزم فيه اللفظ أصلا و يكفي العقل فلو قال وكلتك في بيع داري فباع صح لانه دل بفعله على قبوله و هنا تتساوى الآثار و تشترك المؤثرات و لكن يظهر الفرق بين الاستنابة و الاذن و بين الوكالة بالمعنى الذي ذكرناه في مقام الرد فلو قال وكلتك في بيع داري فرد و لم يقبل لم يصح بعد ذلك بيعه بخلاف ما لو قال أذنت لك في بيع داري أو استنبتك في بيعها فرد فان الرد لا اثر له و لو باع بعد ذلك من دون اذن جديد صح و ما ذلك الا من جهة ان سنخ الوكالة من سنخ العقود و ذوات الأسباب الوضعية، بخلاف الاستنابة و الاذن و التفويض فإنها من سنخ الجواز و الإباحة اللاحقة بالأحكام التكليفية و بينهما بون بعيد،،، فتدبره اما الرسالة فهي أجنبية عن الوكالة كلية لأنها من قبيل الآلة الصماء الحاكية لصوت الغير و كلامه من دون حق في التصرف أصلا فلا داعي لذكرها في مادة (1450) الرسالة هي تبليغ أحد كلام الآخر من دون أن يكون له دخل في التصرف الى الآخر.

ص: 7

الباب الأول في بيان ركن الوكالة و تقسيمها

ركن التوكيل الإيجاب و القبول

و هو ان يقول الموكل وكلتك بهذا الخصوص فإذا قال الوكيل قبلت أو ما يشعر به تنعقد الوكالة.

كذلك لو لم يقل و تشبث بإجراء ذلك الخصوص يصح تصرفه لانه يكون قد قبل الوكالة دلالة و لكن لو ردها الوكيل بعد الإيجاب لا يبقى له حكم بناء عليه لو قال الموكل وكلتك ورد الوكيل بقوله لا اقبل ثم باشر اجراء الموكل به لا يصح تصرفه- يعنى و يكون ضامنا، و هذه المادة قوية الأسلوب لفظا و معنى و لكن مادة (1452) الاذن و الإجازة توكيل قد عرفت منعها و ان المأذن لو رد الاذن و الإجازة ثم عمل صح إذا لم يتجدد منع من الآذن أو المجيز بخلاف الوكالة فتدبره جيدا فإنه من معادن التحقيق و كذا الكلام في الإجازة اللاحقة فإنها لا علاقة لها بالوكالة أصلا و اين

ص: 8

باب الفضولي من باب الوكالة! و اتحاد المسببات لا يقتضي وحدة الأسباب فلا وجه لمادة (1453) و اما- مادة (1454) فهي على طولها لا طائل تحتها و هي غنية عن البيان كوضوح مادة (1455) فان أساليب البيان مختلف حسب اختلاف القصود فقد يقصد المتكلم المالك جعلك وكيلا على بيع سلعته أو شراء سلعة له و قد يجعلك واسطة و سمسارا بينه و بين البائع أو المشتري و هما متغايران حكما و موضوعا،»

مادة (1456) يكون ركن التوكيل مرة مطلقا يعني لا يكون معلقا بشرط أو مضافا الى وقت أو مقيدا بقيد و مرة يكون معلقا بشرط الى آخرها

بناء على ان الوكالة عقد و قد مر عليك غير مرة ان التنجيز شرط في عامة العقود الا ما خرج بالدليل و ان التعليق يفسد العقد- يتحصل من هاتين المقدمتين ان التعليق يفسد الوكالة فلو علقها على شرط أو وصف كما لو قال أنت وكيل ان جاء زيد من السفر على بيع داري أو أنت وكيل عند مجي ء الحاج بطل نعم لو قيد العمل الموكل فيه بقيد أو شرط صح كما لو قال أنت وكيل على بيع داري و لكن عند مجي ء زيد فهو وكيل مطلق فعلا و لكن على البيع الخاص و (الضابط) انه ان جعل القيد أو الشرط للهيئة و الإنشاء بطلت و ان جعله للمادة و المنشأ صحت و يمكن ان يكون مراد المجلة في جميع ما ذكرته

ص: 9

من الأمثلة في هذه المادة هو القسم الثاني فيكون صحيحا و ان كان خلاف ظاهر قولها: تنعقد الوكالة متعلقة بمجي ء التاجر، فإن الوكالة لا تكون معلقة كما عرفت بل التعليق في متعلقها فتدبره

ص: 10

الباب الثاني في بيان شروط الوكالة

مادة (1457) يشترط ان يكون الموكل مقتدرا على إيفاء الموكل به- الى آخرها، لم تحرر (المجلة) هذا البحث أعني بحث شروط الوكالة كما هو حقه، و حق تحريره ان يقال: ان الوكالة تعتمد على أربعة أركان- الموكل- الوكيل- الموكل به- العقد، اما العقد فيعتبر فيه كلما يعتبر في سائر العقود من إيجاب و قبول و لو بالفعل و تنجيز و مطابقة القبول للإيجاب نعم لا يلزم هنا التوالي فيصح ان يوكل الغائب و يقبل بعد بلوغ الخبر اليه، و اما الوكيل فيعتبر فيه مضافا الى التمييز الاختيار فلا يصح توكيل المكره و لا المجنون و غير المميز لانه مسلوب العبارة- و ان يكون قادرا على اجراء ما وكل فيه فلو وكل على محاسبة عماله مثلا من لا يعرف الحساب من صغير أو كبير لم يصح نعم يشترط اذن وليه لو كان

ص: 11

صغيرا مميزا إلا إذا كان العمل خفيفا و ليس فيه مظنة ضرر كاجراء صيغة البيع و نحوه فقط- اما الموكل فيعتبر فيه مضافا الى العقل و التمييز و الاختيار كونه مالكا للصرف فيما وكل فيه فلو كان ممنوعا بمنع طبيعي أو شرعي ذاتي أو عرضي لم ينفذ توكيله فتوكيل الصبي المميز لا ينفذ إلا بإجازة الولي و توكيل الراهن على بيع العين المرهونة لا ينفذ إلا بإجازة المرتهن و توكيل السفيه أو المفلس لا ينفذ إلا بإجازة الولي أو الغرماء و توكيل المجنون أو غير المميز لا ينفذ أصلا و هكذا كل ممنوع من التصرف مطلقا أو مقيدا، نعم في ما هو معلوم المنفعة يصح للمميز ان يوكل فيه كقبول الهبة أو الصدقة حتى مع عدم اذن الولي كما نصت عليه (المجلة) في هذه المادة، أما الموكل به أي متعلق الوكالة فاعلم انه من أهم مباحث هذا العقد إذ من الضروري انه ليس كل عمل يصح ان يأتي به الإنسان يصح ان يوكل فيه و كثير من الواجبات بل و المباحث لا تتمشى فيها الوكالة شرعا و عرفا- إذا فلا بد من تحرير ضابطة لما تصح فيه الوكالة تميزه عما لا تصح فيه، و قد ذكروا ان ضابطة ما لا يصح فيه التوكيل هو كل عمل علم من الشارع اعتبار المباشرة فيه على وجه خاص كالواجبات النفسية العبادية مثل الصوم و الصلاة و الطهارة و الحج الا ما قام عليه الدليل بجواز الاستنابة فيه و كذلك جملة من المستحبات مثل النوافل اليومية و زيارة الاخوان و البدأة بالسلام اما رده فهو أيضا من الواجبات التي لا يصح فيها التوكيل فلو وكل شخصا على رد

ص: 12

سلام من سلم عليه لم يسقط عنه و فعل حراما بتركه و مثل ذلك كثير من الحقوق الواجبة أو المستحبة كحقوق الزوجية و حقوق العيادة و غيرهما و كل عمل علم من الشارع ان الغرض منه نفس وقوعه من دون اعتبار مباشر معين بل و لو وقع من غير مباشر أصلا كالواجبات التوصلية كطهارة الثوب أو البدن أو دفن الميت أو الحرف و الصنائع التي يتوقف نظام البشر و حفظ الهيئة الاجتماعية عليها كالنجارة و البناية و الحياكة و أمثالها فإنها واجبات كفائية و توصلية و يصح فيها التوكيل عموما كما يصح في عامة المعاملات من البيع و الشراء و الإجارة و الصلح و أضرابها و في كافة أنواع المكاسب كالاحتطاب و الاحتشاش و الحيازة و الاحياء و أشباهها (و الخلاصة) ان كل ما علم اعتبار المباشرة فيه فلا توكيل فيه و ما علم عدم اعتبارها تصح فيه الوكالة، انما الكلام و الاشكال فيما لو لم يعلم و شك في انه من أي النوعين فلا بد من تحرير الأصل الذي يرجع اليه عند الشك فقد يقال ان الشك في صحة الوكالة و عدمها في بعض الموارد يرجع الى الشك في اعتبار المباشرة و عدمها بناء على الضابطة المتقدمة و أصالة عدم اعتبارها يقتضي بأن الأصل صحة الوكالة في كل مورد يشك فيه و لكنك خبير بأن أصالة عدم اعتبار قيد المباشرة انما يجدي أو يجري حيث يكون هناك عموم أو إطلاق في المورد الخاص اما مع عدمه فلا مجال لذلك الأصل أصلا

ص: 13

مثلا لو قام الدليل على ان الأم لها حق الحضانة على ولدها الى سنتين أو أكثر و شككنا انه يقبل ان توكل غيرها في القيام بهذا الحق فإن كان هناك إطلاق و شككنا أجرينا أصالة عدم التقييد بالمباشرة و حكمنا بصحة الوكالة و الا فلا مورد لذلك الأصل كما هو ظاهر، اما التمسك للصحة بعموم وجوب الوفاء بالعقود بناء على شمولها للعقود الجائزة فلا يخلو أيضا من اشكال لعدم إحراز صدق العقد على مثل هذا و الدليل لا يحقق موضوعه، و إرجاع الأمر إلى بناء العقلاء في معاملاتهم و أعمالهم فما كانت المباشرة فيه لازمة عندهم لم تصح الوكالة فيه و الا صحت لا يجدي أيضا لحصول الشك في بناء العقلاء كثيرا، و عدم العلم بأنهم يعتبرون المباشرة فيه أم لا مع انه يشبه ان يكون بوجه دائر فمعرفة الصحة موقوفة على معرفة عدم اعتبار المباشرة و معرفتها موقوفة على معرفة الصحة،،، و التحقيق العميق ان الماليات و ما يتعلق بها نقلا و انتقالا و تحصيلا و كسبا كلها تصح فيها الوكالة لعموم أدلة السلطنة و الإباحة و الحلية و نحوها فتصح الوكالة في عموم المعاملات و الحيازات بل و في الإيقاعات و كذا في عموم عقود الأنكحة و توابعها كالطلاق و العتق و الإبراء و نحوها فيمكن ان يقال ان الأصل فيها جميعا الصحة إلا ما خرج بالدليل كما ان الأصل في العبادات مطلقا واجبها و مندوبها المنع الا ما ورد الدليل بصحته و يلحق بها الشهادة و العهود و النذور و الايمان فلا تجري الوكالة فيها أصلا لظهور أدلتها في اعتبار المباشرة

ص: 14

بل لا معنى معقول لتوكيل شخص في ان ينذر بالوكالة عنك أو يحلف كذلك أو يشهد عنك.

اما الحقوق فالنظر في صحة التوكيل على استيفائها و العمل بها فهو موقوف على مراجعة دليل كل واحد منها و النظر في إطلاقه و تقييده و عمومه و خصوصه و هل يظهر منه اعتبار المباشرة فيه أم لا و هذا من خصائص الفقيه المجتهد الذي له ملكة الاستنباط و الغور على دقائق الأحكام و اصابة حكمة التشريع و لا يلقاها الا ذو حظ عظيم،،، ثم نعود فنقول أيضا ان هذا البحث من أهم مباحث الوكالة و من العجب ان المجلة لم تتعرض له لا بقليل و لا كثير و قد أعطيناك زبدته و صفوته و للّٰه المنة و منه التوفيق، و اتضح بما ذكرنا بقية موارد هذا الباب:

ص: 15

الباب الثالث في بيان أحكام الوكالة

اشارة

و يشتمل على ستة فصول

[الفصل الأول]

مادة (1460) يلزم ان يضيف الوكيل العقد الى موكله في الهبة و الإعارة و الرهن و الإيداع و الإقراض و الشركة و المضاربة و الصلح عن إنكار و ان لم يضفه الى موكله فلا يصح.

هذه المادة و التي تليها مادة (1461) على طولها و تفاصيلها غير وافية و لا كافية و تقسيمها غير مستوعب و الحكم فيها بالتفصيل عليل عار من الدليل، و تحرير البحث الذي هو أيضا من المباحث المهمة في كتاب الوكالة- ان الغالب في مواقع الوكالة بين البشر هي الإيقاعات و توابعها و العقود و ملحقاتها بل هما القدر المتيقن من الأعمال التي يصح فيها التوكيل بعد البناء على عدم صحته في العبادات بقول مطلق- الا ما خرج،،، أما الإيقاعات كالطلاق و العتق و الفسخ و الإبراء و غيرها فلا

ص: 16

يشترط في شي ء منها ذكر الموكل في الصيغة فإذا وكله على عتق عبده.

و قال للعبد أنت حر أو وكله على طلاق زوجته و قال لها أنت طالق صح كما لو قال عبد فلان حر أو زوجة فلان طالق و لا يلزم ان يقول بحسب و كالتي عن فلان و هكذا سائر الإيقاعات، أما العقود فهي نوعان اما عقود الأنكحة فذكر الموكل و الموكلة ضروري فيها لأن الزوجين في النكاح بمنزلة العوضين في البيع أركانه التي لا يصح الا بذكرهما فلو قالت زوجتك نفسي و قال قبلت وقع الزواج له و له قصد القبول لموكله لم يقع له و لا لموكله لان العقد لم يطابق القصد فيبطل و اللازم ان تقول زوجت موكلك نفسي فيقول قلت لموكلي و هكذا نظائر ذا فيقول وكيل الزوجة لوكيل الزوج زوجت موكلي من موكلك فيقول قبلت لموكلي، و أما عقود المعاملات فهي أيضا نوعان اما عقود المجانيات كالهبة و العارية و الوديعة و أمثالها فلا حاجة فيها الى ذكر الوكالة و الموكل فلو قال وهبتك هذه الدابة أو دار زيد و كان وكيلا عنه في هبتها صح ذكر الوكالة لفظا أولا، و عقود المغابنات و هي عقود المعاوضات كالبيع و الإجارة و المزارعة و نحوها من العقود اللازمة أو الجائزة فهي اما ان تكون شخصية أو كلية يعني اما ان يكون المبيع أو الثمن كليا في الذمة أو شخصيا خارجيا فان كان شخصيا كما لو قال له وكلتك على بيع دابتي هذه فقال الوكيل للمشتري بعتك هذه الدابة صح و لو لم يذكر الموكل و الوكالة بل و حتى لو لم يقصد البيع عن الموكل بل و حتى لو قصد البيع لنفسه فان؟؟؟؟

ص: 17

القصد يقع لغوا لما عرفت في أبواب البيوع من ان العوض يدخل في ملك من خرج من ملكه المعوض سواء قصد ذلك أم لا، و اما إذا كان كليا كما لو وكله على ان يشتري له دارا بثمن كلي في ذمة الموكل فان قال البائع للوكيل بعتك الدار و كان عالما و قاصدا انها لموكله و قال الوكيل قبلت قاصدا ذلك أيضا صح و تعلق الثمن بذمة الموكل و ان كان غير عالم و قال الوكيل قبلت قاصدا لموكله و لم يذكره صريحا صح أيضا و لكن للبائع الخيار إذا لم يقبل تعلق الثمن بذمة الموكل فله الفسخ و له الإمضاء بعد العلم، اما لو قال قبلت و لم يقصد القبول لموكله و لم يكن الثمن شخصيا حسب الفرض صار البيع له لا لموكله و لزمه دفع الثمن من ماله.

اما ما ذكرته المجلة من قضية حقوق العقد فهي في جميع الصور التي يصح العقد فيها للموكل مع علم الطرف الآخر بائعا أو مشتريا فهي للموكل و للوكيل على مقدار سعة وكالته و ضيقها فان كانت مطلقة؟؟؟ فله قبض المبيع و اقباض الثمن و الفسخ بالعيب أو أخذ الأرش و يطالبه البائع بالثمن و يدفع له المثمن و هكذا و ان كانت ضيقة محدودة بإجراء الصيغة فقط مثلا أو أوسع بقليل فليس له شي ء من تلك الشئون.

(و بالجملة) فحقوق العقد أصالة للموكل و تبعا للوكيل بمقدار ما جعل له الموكل نعم لو أضاف الوكيل العقد الى نفسه و لم يكن الثمن أو المثمن شخصيا و ادعى انه قصد الشراء لموكله و البائع لا يعلم

ص: 18

كان له إلزام الوكيل بالثمن و إمضاء البيع عليه كما ان له ان يفسخ و له إمضاء البيع على الموكل حسب ما يرى من صالحه و ثقته بالموكل في دفع الثمن و عدمها، و عليك بالتدبر و إمعان النظر فيما ذكرنا حتى يظهر لك أنواع الخلل و الضعف بما ذكرته «المجلة» في هاتين المادتين فطابق تعرف و بهذا الطراز، يجب ان تحرر المشاكل و تحل الألغاز، ثم من المعلوم ان الوكيل في منطقة وكالته أمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط كما في مادة (1463) المال الذي قبضه الوكيل الى آخرها و كان يجب تقييد عدم الضمان بما إذا كان وكيلا أيضا على القبض اما لو كان وكيلا على البيع فقط فقبض و تلف المال كان ضامنا و ان لم يكن منه تعد أو تفريطا مادة «1464» لو أرسل المديون دينه إلى الدائن و قبل الوصول اليه تلف في يد الرسول فان كان رسول المديون يتلف من ماله و ان كان رسول الدائن تلف منه و برء المديون هذا صحيح إذا لم يكن المرسل إليه أجاز إرساله أو وكله على القبض و الا فالتلف عليه، مادة (1465) إذا وكل أحد شخصين على أمر فليس لأحدهما وحده التصرف في الخصوص الذي وكلا به، و لكن ان كانا وكلا لرد وديعة أو إيفاء دين فلأحدهما ان يوفي الوكالة وحده، و اما إذا وكل أحد آخر لأمر ثم وكل غيره رأسا على ذلك الأمر فاتهما أو في الوكالة حاز هذا البحث كسوابقه

ص: 19

أيضا غير محرر و لا مستوفى و تحريره انه لا إشكال في جواز تعدد الوكلاء من الموكل الواحد في أمر واحد و يقع ذلك على صور «1» ان يجعل لكل واحد منهم الاستقلال فكل من سبق تصرفه نفذ و بطل المتأخر و إذا اقترنا بطلا مع التزاحم كما لو باع أحدهما الدار من زيد و باعها الآخر في ذلك الوقت من عمر و اما مع عدمه كما لو باعها كل واحد منهما من عمرو و وكيله بثمن واحد صحا معا كما لو باع هو و وكيله في وقت واحد و لو كانا وكيلين في دفع الدين فدفعاه استرجع من الدائن الزائد مطلقا كما لو دفع نفسه الزائد غلطا أو اشتباها اما لو كانا وكيلين على دفع الحق مع خمس أو زكاة و دفع كل منهما الى فقير نفذ المتقدم و يسترجع من المتأخر ان كانت العين الموجودة و الا فلا رجوع و مع التقارن يتخير فان التعيين له «2» ان يجعلهما وكيلين على الاجتماع فلا يصح تصرف أحدهما مستقلا و في إجراء الصيغة يوكل أحدهما الآخر أو يؤكلان ثالثا و يمكن ان يجريها كل واحد منهما فيتركب العقد من عقدين و لا مانع منه «3» ان يجعل الاستقلال لأحدهما و الاجتماع للثاني فيستقل الأول و ينفذ و لا ينفذ تصرف الثاني الا بموافقة الأول «4» ان يطلق الوكالة و يقتصر على قوله أنتما وكيلان على بيع داري فإن كان لهذه العبارة ظهور عند العرف في اجتماع أو استقلال فهو و الا فالإطلاق و أصالة عدم القيد يقتضي الاستقلال و عدم تقييدهما بالاجتماع و مع عدم إحراز الإطلاق أعني إهمال القضية و عدم

ص: 20

التفاته الى هذه الناحية أو الشك فاللازم الاجتماع لانه القدر المتيقن «5» ان يجعل وكيلا على بيع داره مثلا ثم يجعل وكيلا ثانيا على بيعها من دون تعرض لاجتماعه مع الأول أو استقلاله فان ظهر منه عزل الأول بالثاني فهو و الا كان لكل منهما التصرف مستقلا و ينفذ السابق كما سبق، و لو مات أحدهما في صورة الاستقلال حقيقة أو حكما انحصرت الوكالة بالثاني اما في صورة الاجتماع فتبطل وكالة الثاني أيضا و ليس للحاكم ان يضم بدله إذ لا ولاية له على الحق الموجود نعم لو كان غائبا و خيف على المال تعين النصب أو الاذن للآخر بالتصرف من باب دلالة الحاكم على الغائب و لو عزل أحدهما في صورة الاجتماع لم يصح للآخر أيضا ان يتصرف الا مع القرينة على ارادة استقلاله بالوكالة- هذا تمام صور المسألة و لا فرق فيما ذكرنا بين الوكالة على رد الوديعة و إيفاء الدين أو غيرهما و الفرق بينهما و بين غيرها تحاكم بلا دليل و تفصيل بلا وجه

مادة (1466) ليس لمن وكل في خصوص أمر ان يوكل غيره به الا ان يكون قد اذنه الموكل بذلك أو قال له اعمل برأيك

فعلى هذا الحال للوكيل ان يوكل غيره و يكون وكيلا للموكل لا للوكيل و لا ينعزل الثاني بعزل الوكيل الأول أو بوفاته هذه أيضا محتاجة إلى التحرير و ما ذكر انما يصح في بعض الفروض دون بعض و على بعض التقادير لا على كل تقدير، و توضيح ذلك ان إطلاق الوكالة لا يقتضي جواز أن يوكل الوكيل غيره في العمل

ص: 21

الذي وكل فيه الا ان يصرح له الموكل بذلك أو يجعل له الوكالة العامة فيقول له اعمل برأيك في كل ما تراه صالحا و ما أشبه ذلك و حين إذ يأذن له أو يفوض الأمر إليه فلا يخلو اما ان يظهر منه الاذن في جعل الوكيل عن الموكل أو عن الوكيل أو لا يظهر منه شي ء من هذه الناحية و على الأول يتم ما ذكر في المادة من انه لا ينعزل بعزل الوكيل الأول و لا بموته بل لا يصح للأول عزله و لا محاسبته إلا بإذن جديد من الموكل الأول و على الثاني بكون أمر الثاني للوكيل الأول بعزله كما ينعزل بموته و ليس للموكل الأول ان يعزله لانه ليس منصوبا منه نعم لو عزل الأول سقط الثاني لأنه فزع منه و تبع له، و على الثالث حيث لا ظهور في كلامه على أحد الأمرين أو لم يكن ملتفتا الى هذه الجهة كما لعله الغالب فالمرجع إلى الأصول فلا ينعزل الا بعزلهما معادلا ينعزل بموت الوكيل استصحابا لبقاء وكالته في الحالين و هكذا

(1467) إذا اشترطت الأجرة في الوكالة و أوفاها الوكيل يستحقها و ان لم تشترط و لم يكن الوكيل ممن يخدم بالأجرة يكون متبرعا ليس له اجرة

إطلاق الوكالة يقتضي عدم الأجرة و لو شرطها لزمت و انقلب عقد الوكالة إلى عقد إجارة فيعتبر فيها جميع ما يعتبر في الإجارة و تعيين العمل و المدة و مقدار الأجرة فلو حصلت الجهالة في شي ء من ذلك بطلت و كان له اجرة المثل لو قام بالعمل و مع اجتماع شروط الإجارة

ص: 22

تنقلب من الجواز الى اللزوم كما هو حكم الإجارة، اما مع الإطلاق و عدم الشرط فلا حق له بالأجرة سواء كان ممن يخدم بالأجرة أم لا، فالتقييد في المجلة لا وجه له

الفصل الثاني في الوكالة بالشراء

مادة (1468) يلزم ان يكون الموكل به معلوما

بمرتبة يكون إيفاء الوكالة قابلا على حكم الفقرة الأخيرة من مادة (1459) يعني اعتبار المعلومية في ما وكل به من بيع أو شراء أو نحوه و خلاصة تحرير هذا البحث كما هو حقه ان المعلومية المعتبرة ليست كالمعلومية في باب البيع و الإجارة و نحوهما بل يكفي المعلومية في الجملة فلو قال وكلتك في شراء فرس لي كفى و صح ان يشتري له اي فرس بنظره و لكن لا يصح في البيع ان يقول بعتك فرسا ما لم يعينها وصفا أو خارجا نعم لو عين الموكل فرسا معينة بوصف أو بإشارة لزم الوكيل ان لا يتعدى الى غيرها فلو تعدى كان فضوليا و مع عدم الإجازة يضمن الثمن فالضابطة الكلية في هذا الباب ان الموكل إذا ذكر الموكل به من بيع أو شراء أو زواج أو طلاق وجب تعيينه

ص: 23

بنحو يمكن القيام به للوكيل ثم ان قيد بعد ذلك بقيود وجب اتباعها و الا كان الخيار للوكيل مثلا لو قال أنت وكيل على ان تزوجني من امرأة كان له تزويجه من أي امرأة يختارها و لا تبطل الوكالة بعدم تعيين المرأة اما لو قال له أنت وكيل تزوجني من امرأة بغدادية تعين ذلك و لا يصح تزويجه بغيرها و هكذا لو وكله على شراء حنطة أو حنطة المزرعة الفلانية و على هذا القياس في جميع الموارد.

و من هنا ظهر انه لا مانع من صحة الوكالة لو قال اشتر لي دابة أو ثيابا أو قال حريرا و لم يعين نوعه أو ثمنه فتصبح خلافا للمجلة نعم لو قيده الموكل بنوع مخصوص أو ثمن محدود تعين اما مع الإطلاق فالاختيار للوكيل الا ان يكون عرف خاص أو عام فيحمل الإطلاق عليه و يكون بمنزلة القيد إما الأثمان فمع تعيين الموكل لها تتعين و مع عدمه تتصرف الى ثمن المثل فما دونه فلو اشترى بأكثر من ثمن المثل أو باع بأقل منه كان فضوليا و لعل بهذا البيان اتضحت جميع مواد هذا الفصل و امتاز الصحيح منها من القيم على ان بعضها واضح غير محتاج الى البيان و بعضها تكرار مستدرك و الكثير غير مستقيم، و لو عين له ثمنا لزمه ان لا يأخذ بالأزيد قطعا اما الأخذ بالأنقص فهو جائز حسب المتعارف الا ان يعلم بان له غرضا خاصا بذلك المقدار فلا يجوز التخطي عنه مطلقا و مثله الكلام في النقد و النسيئة فما ذكر في مادة (1479) على إطلاقه غير صحيح إذ قد يكون للموكل غرض معقول في الشراء

ص: 24

نقدا و لا يرضى بالنسيئة فتجاوز الوكيل عن النقد إلى النسيئة يجعله فضوليا أو باطلا فليتدبر

مادة «1485» ليس للوكيل ان يشترى الشي ء الذي وكل بشرائه لنفسه الى آخرها

أ ليس هذا من الجزاف! و ما وجه منع الوكيل من شراء الشي ء لنفسه مع ان البائع حر في بيع ماله لمن شاء و المشتري وكيلا أو غيره كذلك و الوكالة عقد جائز و الشراء لنفسه في الحقيقة رفض للوكالة و عزل لنفسه عنها و لا يلزمه اعلام الموكل بخلاف العكس نعم في بعض المقامات قد يكون ذلك خلاف المروة و شبه الخيانة و لكن لا على وجه يجعله حراما و ممنوعا بل له ان يشتري لنفسه و لموكله كما نصت عليه مادة (1486) لو قال أحد اشتر لي فرس فلان الى آخرها و يشبه ان يكون بين هذه المادة و التي قبلها تهافت، كما ان عدم تصديقه لو قال بعد تلف الفرس أو حدوث العيب اشتريتها لموكلي محل نظر بل يصدق يمينه لان الوكيل أمين و هو أدرى بقصده و لا يعلم الا من قبله مادة (1488) لو باع الوكيل بالشراء ماله لموكله لا يصح هذا أيضا لا وجه له الا ان يصرح الموكل بذلك أو تقوم قرينة أو عرف عليه مادة (1492) إذا تلف المال المشتري في يد الوكيل بالشراء أو ضاع قضاء بتلف من مال الموكل و لكن لو حبسه الوكيل لأجل استيفاء الثمن و تلف في ذلك الحال أوضاع يلزم على الوكيل أداء ثمنه

ص: 25

و لكن يرجع به على الموكل لان حبسه كان بوجه مشروع نعم لو كان الثمن مؤجلا و حبسه ثم تلف في يده كانت الغرامة عليه لانه حبس غير مشروع يزول به الامانة و تكون يده يد ضمان لا ائتمان

مادة (1493) ليس للوكيل بالشراء ان يقبل البيع بدون اذن الموكل

إلا إذا كان مطلقا بالبيع و الشراء حسب ما يراه

الفصل الثالث في الوكالة بالبيع

خلاصة مواد هذا الفصل بأجمعها ان الوكيل المطلق على البيع من دون تعيين ثمن أو وقت أو غيرهما يبيع كيف شاء قليلا أو كثيرا و إذا عين الموكل له ثمنا أو وقتا بان قال له مثلا بع فرسي على فلان بالمبلغ المعين وجب عليه ذلك فلو باع بأقل أو على غير من عينه الموكل كان فضوليا و لو سلم المبيع في هذا الحال كان ضامنا، و لو اشتراه لنفسه مع الإطلاق و بثمن المثل أو أكثر صح عندنا خلافا لمادة «146» إذا اشترى الوكيل بالبيع مال موكله لنفسه لا يصح.

نعم يصح هذا لو منعه صريحا أو قامت قرينة اما بدونهما فلا

ص: 26

و كذا الكلام في النقد و النسيئة و المدة ان قيد الموكل بشي ء منها لا يجوز للوكيل تعديه و الا فإن كان عرف عام أو خاص فهو المبتع و الا أخذ بالقدر المتيقن و هو النقد و أقل مدة في النسيئة و هكذا.

الفصل الرابع في (بيان المسائل المتعلقة بالمأمور)

مادة (1506) إذا أمر أحد غيره بأداء دينه و أداء من ماله يرجع ذلك الى الآمر شرط الآمر رجوعه أم لا- يعني قال على ان أودية لك أو خذه مني أو لم يقل غير أد ديني فقط،،، هذه المعاملة غريبة الشكل في المعاملات إذ ليست هي وكالة لا محضة إذ الوكالة انما هي في مال الموكل لا مال الوكيل و لا هي قرض إذا القرض يحتاج الى قبض و لا هي حوالة إذ المفروض ان المأمور بري ء، و أغرب منها ما لو تبرع وادي الدين بدون أمر حيث يسقط الدين و لا رجوع على المديون فكيف يسقط دين شخص بمال غيره و هذه مواضعات جارية عند العرف متفق عليها ظاهرا و تطبيقها على القواعد و الأصول العامة مشكل، و قد صبها السيد الأستاد قدس سره بقالب آخر فقال: يجوز ان يوكل غيره في أداء دينه من ماله تبرعا أو مع الرجوع عليه بعوض ما أداء و لكنك عرفت ان هذا لا يتفق مع أصول الوكالة فإن التوكيل

ص: 27

انما يصح للإنسان على ماله لا على مال الغير ثم زاد (قده) في الغرابة و الاشتمار عن القواعد فقال: و لا يصير المدفوع ملكا للموكل قبل دفعه بل ينتقل إلى الدائن و هو ملك للوكيل (انتهى) و كيف يعقل ان يكون مال شخص عوض ما في ذمة شخص آخر و قد مر عليك غير ان العوض لا بد و ان يخرج ممن دخل المعوض في ملكه، اللهم الا ان ترفع اليد عن هذه القاعدة كما في (خذ مالي هذا و اشتر به طعاما لك) و قد فرع السيد (ره) على ما ذكره ما لو كان مديونا لذمي فوكل ذميا أخر على وفاته فدفع له خمرا أو خنزيرا فعلى الانتقال الى ملك الدائن لا يصح و عليه يصح قال! و يجوز ان يوكل غيره في أداء ما عليه من الخمس أو الزكاة تبرعا أو بعوض إذ لا يلزم ان يكون أداء الخمس أو زكاة من مال من عليه بناء على المختار من جواز الشراء لنفسه بمال غيره مع اذنه و عدم منافاته لحقيقة البيع و الشراء و دعوى لزوم دخول المعوض في ملك من خرج عن ملكه العوض ممنوعة إذ ليست حقيقة البيع إلا مبادلة المالين، انتهى و لا يذهبن عنك ان المبادلة التي اعترف انها هي حقيقة البيع لو تأملتها تجدها إلا القاعدة المزبورة التي منعها مع ان ظاهرهم الاتفاق عليها لأنها نفس حقيقة البيع إذ أي معنى للمبادلة بين المالين الا كون هذا في موضع ذاك اي يدخل أحدهما إلى المحل الذي خرج منه الآخر فيملأ ذلك الفراغ و يشغل ذلك الشاغر، و الا فما معنى المبادلة لو لا ذلك! و بما ذا

ص: 28

التحقق! و هذا هو معنى العوضية أيضا فتأمله تجده جليا واضحا و مصاص التحقيق في هذا المجال ان التوكيل في التبرع لا معنى له أصلا إذ المتبرع يعمل باختياره و حريته سواء اذن له المتبرع عنه أم لم يأذن و كله أم لم يوكله بل لو منعه لم يؤثر المنع في صحته و ترتب أثره و لكن لا بد لتصحيحه من انه بقصده وفاء دينه ينتقل المال الى المتبرع عنه اناما و لكن بقيد انه لوفاء الدين ثم يدفعه للوفاء كما لو اشترى له بماله اي بمال المشتري طعاما، و اما التوكيل مع شرط الرجوع فلا بد لتصحيحه من درجة اما في الضمان بناء على توسيع دائرته أو في الافتراض و التوكيل على قبضه عنه و دفعه لوفاء دينه و لو قال للمديون خذ دينك من فلان و انا أدفع له فهي حوالة على البرين، و على كل فلا محيص من تخريج وجه لهذه المعاملات كي تندرج في الأصول العامة و القواعد المسلمة التي لا يصح هدمها و الشذوذ عنها فاغتنم هذا و باللّه التوفيق.

و لعل من أجل تضمنه للوكالة أدرجته المجلة في مباحثها، ثم ان أكثر مواد هذا الفصل واضحة، و قد يحتاج بعضها الى يسير من التوضيح مثل مادة (1508) فإن المراد انه إذا أمره بالصرف على عياله أو بناء داره ينصرف المتعارف من المصرف حسب شأنهم و عادتهم فلو كان من شأنهم الألف في الشهر فصرف ألفين لا يرجع إلا بألف و هكذا الدار حسب شأن الآمر ان لم يعين و ان لم يشترط لما عرفت مكررا من ان مال المسلم محرم لا يسقط الا بالتصريح

ص: 29

بالتبرع و تأويل الرجوع هنا اما الى إرادة اصرف و انا أضمن لك البدل و اما أقرضني و اصرفه على عيالي، مادة (1509) لو أمر أحد آخر بقوله أعط فلانا،،، محصل هذه ان أمر الآمر من حيث الرجوع و عدمه بدور مدار القرائن و الأمارات من حال و مقال فمثل أعط هذا الفقير و لم يقل و انا أدفع لك ظاهر في ان يدفع له من ماله اي مال الدافع بخلاف ادفع الى عيالي فإنه ظاهر في الضمان و ان لم يشترط و هكذا، مادة (1510) لا يجري أمر أحد إلا في حق مكة،،، مبنية على قضيته السبب و المباشر، و المباشر هنا أقوى من السبب فيكون الضمان عليه اي على ملقي المال في البحر لا على الآمر مادة (1511) لو أمر أحد آخر،،، كل و عد لا يجب الوفاء به بل يستحب استحبابا كالوجوب خصوصا عند أهل الشرف و الغيرة فلو طلبت من شخص وفاء دينك و وعدك بذلك لا يلزم به له و ما عقديا و لكنه يجب أشد الوجوب وجوبا اخلاقيا (و وعد الحر دين) كما يقولون، نعم لا يجبر عليه إذا لم تجبره شهامته و كرم طبعه- كما يجبر لو كان له عليه دين و قال له ادفع ديني الى غربي فلان كما في مادة (1512) و بقية المواد واضحة المراد و المدرك

ص: 30

الفصل الخامس في (حق الوكالة بالخصومة)

قد استبان لك من مجموع فروع الوكالة أنها تدور مدار ما يعطي الموكل للوكيل من السلطة صراحة أو دلالة بحال أو مقال أو عرف أو عادة و التوكيل في الخصومة من أخصب حقولها، و مهابط سيولها، و لا سيما في هذه الأعصار التي كثرت فيها الخصومات فاستوجب كثرة الوكلاء و المحامين العارفين بالقوانين مضافا الى انه لا يليق بأهل الشرف و الكرامات الوقوف في المحاكم و المزاولة كالخصومة المزربة بذوي الشئون، و لكن الوكيل فيها كالوكيل في غيرها لا يتعدى حدود ما وكل فيه صراحة أو دلالة فإذا وكل على الدفاع فقط لم يجز له الاعتراف و لا الصلح و لا التنازل نعم لو أعطاه وكالة عامة حسب ما يراه جاز له ذلك سوى الإقرار فلا يجوز له الا بالنص عليه بالخصوص ان قلنا بأنه مما تصح فيه الوكالة على تأمل أما العموم فهو منصرف عنه اي عن الإقرار و لا فرق في قبول إقرار الوكيل عن الموكل و عدم قبوله بين وقوعه بحضور الحاكم أو غير حضوره و إذا قلنا بصحته و لو في بعض خصوصيات الدعوى أو كان مقدمة

ص: 31

لكسب الدعوى و صيرورة الحق له فلا ينعزل و إذا قلنا بعدم صحته يقع لغوا و لا ينعزل الا بعزل من الموكل أو ظهور الخيانة الموجبة للانعزال قهرا فليتدبر.

الفصل السادس في (بيان المسائل المتعلقة بعزل الوكيل)

حيث ان الوكالة كما عرفت قد جائز فللموكل ان يعزل الوكيل كما للوكيل ان يعزل نفسه مطلقا سواء تعلق بالوكالة حق الغير أم لا غايته ان الموكل فيما لو عزل الوكيل على بيع الرهن عند حلول الأجل يجب عليه بيع الرهن بنفسه أو لوكيل أخر أو يدفع الدين و لا يبيع الرهن و صرف تعلق الحق على الموكل لا يوجب عليه إبقاء الوكيل مع إمكان خروجه من الحق بوسائل أخرى كثيرة كما ان تعلق الحق على الموكل لا يسلب حريته في عزل نفسه الا ان يكون مستأجرا أو شرط ذلك عليه في عقد لازم و هو خروج عن محل البحث لان الكلام في الوكالة المجردة من حيث هي و من هنا ظهر ضعف أو فساد ما في مادة (1521) و مادة (1522) و فيها: و لكن لو تعلق به حق الغير يكون مجبورا بإيفاء الوكالة

ص: 32

إذ لا وجه لجبره مع ان الوكالة عقد جائز و لا ملزم في البين و كذلك لو وكل على الخصومة بطلب المدعى و غاب الموكل فان له عزله في غيابه و توكيل غيره و لا يتعين عليه إبقاء ذلك الوكيل و كل هذا واضح و لا اعرف وجها معقولا لما ذكرته (المجلة) نعم لا إشكال في ان اثر الوكالة و نفوذها يبقى الى ان يبلغه خبر العزل فلو باع قبل بلوغ خبر العزل اليه كان بيعه نافذا على الموكل و ليس له رده، كما في مادة «1523» و هذا لدليله الخاص و الا فالقاعدة لا تقتضي ذلك ففي الخبر المعتبر قال سلام اللّٰه عليه من وكل رجلا على أمر من الأمور فالوكالة ثابتة أبدا حتى يعلمه بالخروج عنها كما أعلمه بالدخول فيها، اما لو عزل الوكيل نفسه فلا يبقى على وكالته إلى إعلام الموكل و لا معنى لبقائها في عهدته و قد عزل نفسه و لا يجب عليه الاعلام أيضا كل ذلك لعدم الدليل و بطلان القياس عندنا التي تبتني عليه مادة (1524) إذا عزل الوكيل نفسه يلزم ان يعلم الموكل بعزله و تبقى الوكالة في عهدته الى ان يعلم الموكل نعم ما ذكر في مادة (1525) من قضية لزوم اعلام المديون بعزل الوكيل على قبض الدين فلو لم يعلمه الموكل أي الدائن و دفع الى الوكيل برأت ذمته بلا إشكال لأنه معذور بعدم العلم ثم ذكرت «المجلة» بقية أسباب العزل في المواد الباقية و هي [1] موتهما أو موت أحدهما، [2] و جنونهما أو جنون أحدهما [3] انتهاء العمل الذي وكل به، و بقي أسباب أخرى لم

ص: 33

تذكرها المجلة (منها) زوال موضوع الوكالة كما لو ماتت الدابة الموكل على بيعها «و منها» الحجر على الموكل فيبطل توكيله على تصرفاته المالية «و منها» عروض الرق أو الردة الموجبة لقسمة أمواله لأنها بحكم الموت (و منها) عروض الفسق فيما لو كان وكيلا على أموال الأيتام أو الوقف أو كان مقيدا بالعدالة (و منها) عروض الإغماء و قد بقيت في الوكالة مباحث مهمة و تحقيقات واسعة لم تتعرض لها «المجلة» و لا تسمح لنا الأحوال الراهنة بذكرها و نشرها، منها مباحث النزاع بين الوكيل و الموكل:

ص: 34

الكتاب الثاني عشر (في الصلح و الإبراء)

اشارة

و يشتمل على مقدمة و أربعة أبواب:

المقدمة في بيان بعض الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالصلح و الإبراء

اشارة

ص: 35

المقدمة مادة «1531»

الصلح:

هو العقد الذي يرفع النزاع بالتراضي هذا التعريف كسائر تعاريفهم قاصر بعيد عن حقيقة هذا العقد، و حقه ان يقال: انه عقد شرع لحسم الخصومة محققة فعلا أو مقدرة فرضا، و هو من اسمى التشريعات الإسلامية و أشرف مؤسساتها و قد وردت في القرآن المجيد آيات كريمة في التنويه عنه و الحث عليه (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) و هذه الجملة؟؟؟؟ (نجمة الصباح) في أفق التشريع و مثلها، فلا جناح ان يصلحا بينهما صلحا، و الصلح خير، ثم تعقبتها السنة النبوية و زادته وضوحا بالحديث النبوي المشهور (الصلح جائز بين المسلمين الا ما حرم حلالا أو حلل حراما) و قد سبق بعض الكلام فيه في مباحث الشروط و يأتي نبذة منه

ص: 36

الكتابة و لا الإشارة من القادر على الكلام و تلزم فيه سائر ما يلزم في العقود من الرضا و الاختيار و القصد و التوالي و التطابق و هو عقد لازم لا ينفسخ الا بالقابل أو شرط الفسخ أو أحد الخيارات العامة كالغبن و العيب و نحوهما، و يصح مع الإنكار و الإقرار و السكوت كما في مادة (1535) الصلح ثلاثة أقسام إلى آخرها نعم يختلف عن سائر العقود اللازمة بتحمل مقدار من الجهالة لا تتحمل في سائرها كما سيأتي، و أركان الصلح خمسه- العقد، المصالح المصالح له، المصالح عنه، المصالح به، و لكل واحد شروط، اما شروط العقد فما عرفت، و لفظه الصريح صالحت أو صالحتك و مشتقاتها، و صحته بمثل تراضينا و اتفقنا و القرار بيننا و أمثال ذلك مع قصد تلك الحقيقة غير بعيدة (و حقيقته) ليست هي صرف التسالم كما يقال بل هي الالتزام بالتسالم و التعهد برفع الخصومة الموجودة أو المفروضة كما عرفت و لا يلزم تصور المتصالحين كل هذه الخصوصيات بل هي معان ارتكازية يكفي قصدها الإجمالي بقصد حقيقة الصلح و يصح الإيجاب و القبول من كل منهما فلا يختص الإيجاب من واحد و القبول من أخر كما في بعض العقود. و قد أهملت المجلة هذا البحث اعني البحث في صيغة هذا العقد و ألفاظه كما أهمله كثير من أصحابنا اما المصالح و المصالح له فلا يعتبر فيهما أكثر من الشرائط العامة في المتعاقدين سوى ان البلوغ يمكن ان يكتفى عنه هنا بالتمييز و لكن مع اذن الولي و كفاية صدور الصيغة منه مع الرشد و عدم الحجر

ص: 37

و أمثالها كما في مادة (1539) يشترط ان يكون المصالح عاقلا الى آخرها و اما المصالح عنه فهو أعم من العين و الدين و الحق و المنفعة و الدعوى أو تقرير أمر بينهما، و هو اعني المصالح عنه ركن في عقد الصلح إذ لا بد ان يصالحه عن شي ء أو على شي ء، اما المصالح به فغير لازم و يمكن تحقق الصلح بدونه كما في الصلح المفيد فائدة العارية أو الهبة، و هو اي الصلح عقد مستقل و ان أفاد فائدة البيع أو الإجارة أو الهبة أو الإبراء و انفرد الشيخ الطوسي أعلى اللّٰه مقامه بكونه تابعا لمفاده فإن أفاد فائدة البيع فهو بيع و ان أفاد فائدة الهبة فهو هبة و هكذا و تظهر الثمرة في ترتيب احكام البيع عليه و عدمها و من خيار مجلس و غيره و فساده بالجهالة و نحوها بخلافه على المشهور و في الهبة بلزوم القبض أو عدمه و لكن من المعلوم ان افادة عقد فائدة الآخر لا يقتضي وحدتهما يعنى ان وحدة المسبب لا تستلزم وحدة السبب، و على كل فيلزم في المصالح به المعلومية و عدم الجهالة و لو في الجملة فالجهالة المفسدة في البيع لا تفسد الصلح و انما تفسده الجهالة المطلقة كما يلزم كونه صالحا للملكية و مملوكا للمصالح أو مما له الولاية عليه بنحو و تجري فيه الفضولية و يقف على الإجارة اما المصالح عنه فلا تقدح فيه أيضا الجهالة و يصح حتى عن اليمين و عن الدعوى و ان كانت مجهولة نعم يعتبر في صلح الولي عن الصغير حصول الغبطة له بذلك فلو خلا عن مصلحة الصغير بطل كما في مادة «1540» إذا

ص: 38

صالح ولي الصبي عن دعواه الى آخرها، و اما- مادة (1543) فقد سبق في مباحث الوكالة ما يغني عنها فان الصلح كالبيع من بعض الجهات فان صالح للموكل كان العوض عليه ان صرح بذلك إلا إذا كان كفيلا عنه و ان قصده و لم يصرح كان للمشتري أو المصالح إلزامه بالعوض و يرجع به على الموكل و ان لم يقصده كان متبرعا، هذا كله مع ثبوت الوكالة و تحققها اما مع عدمها فهو فضولي أو متبرع كما في مادة «1544» و تحرير هذه المادة ان من صالح عن دعوى بين اثنين بغير اذن و لا طلب من المدعي عليه فان صرح ان عوض الصلح في ذمته أو في عين خارجية من أمواله فهو متبرع و يلزمه دفع العوض لان الصلح صحيح و لازم و ان عينه في مال المدعى عليه فهو فضولي موقوف على اجازته و ان أطلق و لم يعين حتى في القصد كان أيضا بحكم الفضولي و ان كان الإطلاق يقتضي ان العوض عليه فليتأمل.

ص: 39

الباب الثاني في (بيان بعض أحوال المصالح عليه و المصالح عنه و بعض شروطهما)

مادة «1545» ان كان المصالح عليه عينا الى آخرها.

يمكن ان يعطى قاعدة كلية و هي ان كلما يصح ثمنا في البيع يصح الصلح به و عليه و لا عكس فان المجهول في الجملة لا يصح ثمنا في البيع و يصح عوضا في الصلح فنقول صالحتك عن دعواك بما في قبضة يدي و لا يصح مثله في البيع.

مادة «1546» يشترط ان يكون المصالح عليه مال المصالح ..

هذا الشرط طبيعي في جميع عقود المعاوضات بل و غيرها و لكن هو شرط في نفوذها و ترتب آثارها فورا لا شرط في صحتها فهي من غير الملك صحيحة و لكنها موقوفة على اجازة المالك، و عليه فلا يصح قول المجلة هنا: لو اعطى المصالح مال غيره بدل الصلح لا يصح صلحه

مادة «1547» يلزم ان يكون المصالح عليه و المصالح عنه معلومين ..

ص: 40

قد عرفت ان المعلومية و لو في الجملة كافية في صحة الصلح في المصالح عليه و المصالح عنه سواء كانا محتاجين للقبض و التسليم أم لا نعم الجهالة المطلقة مانعة فلو صالحه على ان يعطيه و لم يعين جنسه أو مقداره بطل لان الصلح شرع لحسم مادة النزاع و مثل هذا الصلح مما يمدها و يزيدها، و لكن لو قال بدراهم بين العشرة و العشرين صح و ان كانت لا تصح في البيع و نحوه.

ص: 41

الباب الثالث في (المصالح عنه

اشارة

و يشتمل على فصلين)

الفصل الأول في (الصلح عن الأعيان)

مادة (1548) ان وقع الصلح عن الإقرار على مال معين عن دعوى مال معين فهو في حكم البيع

فكما يجري فيه خيار العيب و الرؤية و الشرط تجري دعوى الشفعة ..

عرفت ان الأصح هو ان الصلح عقد مستقل حتى في الموضع الذي يفيد فائدة البيع أو الإجارة و اشتراك عقدين في نتيجة واحدة لا يقتضي تساويهما في الاحكام و كان حق المقام بناء على كون المصالحة بين المالين بيعا ان تقول المجلة انه يجري خيار المجلس و نحوه مما يختص بالبيع اما خيار العيب و الشرط فهي من الخيارات العامة و تجري في الصلح سواء كان بيعا أو مستقلا و على كل فالحق ان الاحكام الخاصة بالبيع كالشفعة و خيار المجلس لا تجري

ص: 42

في الصلح و لا ينافي هذا انه لو ظهر البدل مستحقا يرجع المصالح له على المصالح بعوضه ان كان كليا فإنه من الأحكام العامة و يبطل الصلح ان كان العوض شخصيا فتدبره جيدا، و من هنا تعرف وجه النظر في مادة (1549) ان وقع الصلح عن الإقرار على المنفعة في دعوى المال فهو في حكم الإجارة،،، يعني لو ادعى عليه مالا و أقر به ثم صالحه عنه على سكنى سنة مثلا في داره كانت اجارة و لكن لا ثمرة هنا بين الإجارة و الصلح فافهم مادة (1550) الصلح عن الإنكار أو السكوت هو في حق المدعي معاوضة و في حق المدعى عليه خلاص من اليمين و فداء،،، الأصح أنه معاوضة في حقهما معا غايته ان المعوض من جهة المدعى هو حق اليمين و الاستحلاف و العوض من جهة المدعى عليه مال أو عقار يدفع به اليمين عن نفسه، بناء عليه لا تجري الشفعة فيه مطلقا اما لو ظهر مستحقا فالحكم ما عرفت من البطلان في الشخصي و الرجوع في الكلي فتدبره جيدا

مادة (1551) لو ادعى أحد مالا معينا كالروضة و صالح على مقدار منها،،،

هذا من الموارد التي يكون الصلح فيها مفيدا فائدة الإبراء و الإسقاط يعني ان المدعي أسقط دعوى بعضها، و رضى ببعض منها و صالحه على ذلك و هو أيضا من قبيل الصلح بلا عوض مالي أو مادي و منه يعلم تمام الكلام في المواد الأربع المذكورة في.

ص: 43

الفصل الثاني في بيان الصلح عن الدين اي الطلب و سائر الحقوق

فان جميعها مبنية على قضية الإسقاط و الإبراء و الصلح بلا عوض خارجي

الباب الرابع في بيان احكام الصلح و الإبراء

اشارة

و يشتمل على فصلين

الفصل الأول في بيان المسائل المتعلقة بأحكام الصلح

مادة «1556» إذا تم الصلح فليس لواحد من الطرفين فقط الرجوع،،، عرفت ان الصلح عقد لازم حتى فيما لو أفاد فائدة العقود الجائزة كما لو صالحه على العارية أو المضاربة أو الهبة لم يكن لأحدهما

ص: 44

الفسخ نعم يصح فيه التقايل برضاهما كما يصح في البيع لأن الحق لهما و لكن الصلح في موضع الاسقاط و الإبراء لا معنى للتقايل فيه كما نبهت عليه مادة «1558» ان كان الصلح في حكم المعاوضة إلى آخرها ثم ان من شأن العقود اللازمة عدم البطلان بالموت كما في مادة (1557) كما ان مقتضى اللزوم انه لو صالحه عن دعواه سقط حق المطالبة باليمين طبعا و عليه مادة (1559) و قد ظهر مما سبق تمام الكلام في مادة (1560) و حاصلها ان المال المصالح به إذا ظهر مستحقا فان كان كليا في الذمة و دفع المصداق فظهر انه مستحق فلا يدخل على الصلح خلل بل يبدله بمصداق آخر و ان كان شخصيا متعينا بطل.

الفصل الثاني في بيان المسائل المتعلقة بأحكام الإبراء

مادة (1561) إذا قال أحد ليس لي مع فلان نزاع و لا دعوى الى آخرها،،، حقيقة الإبراء هو إسقاط مال أو حق مالي لشخص على آخر و هو إيقاع لا عقد فلا يحتاج إلى إيجاب و قبول إلا إذا كان بطريق الصلح فإذا سقط لا يعود فلا موضع فيه للفسخ و الإقالة كما في مادة

ص: 45

(1562) إذا أبرأ أحد آخر الى آخرها و هو انما يتعلق بحق ثابت فلا يشتمل ما يثبت بعد ذلك كما في مادة (1563) ليس للإبراء شمول لما بعده،،، ثم ان إسقاط الدعوى انما يصح لأنها حق مالي اما لو لم ترجع الى مال كدعوى حق القذف أو حق الغيبة فيشكل سقوطه بالإسقاط كما يشكل المصالحة عليه بالمال نعم يظهر من بعض الاخبار سقوط حق الغيبة بالإسقاط و براءة ذمة المستغيب بإبراء المستغاب فليراجع، و لا ريب ان الإبراء يكون عاما و يكون خاصا على حسب تقيد المبرئ كما في مادة (1565) و التي قبلها (1564) و باقي مواد هذا الفصل واضحة لا مناقشة فيها سوى مادة (1570) إذا أبرأ الذي في مرض الموت أحد ورثته من دينه فلا يكون صحيحا و نافذا و اما لو أبرأ من لم يكن وارثه فيعتبر من ثلث ماله فإنه عجيب و غريب و حكم معكوس فان القريب و هو الوارث اولى من الأجنبي بالاحتساب عليه من الثلث هذا لو قلنا بان منجزات المريض من الثلث اما لو قلنا بأنها من الأصل فلا إشكال في الصحة و النفوذ مطلقا (و الخلاصة) انه لو أبرأ المريض مدينة وارثا أو غيره صح من الأصل مطلقا على القول بان منجزاته من الأصل و يصح من الثلث على القول الآخر مطلقا أيضا بل في الصورة الأولى أولى.

ص: 46

الكتاب الثالث عشر (في الإقرار)

اشارة

ص: 47

الباب الأول في (بيان بعض الاصطلاحات الفقهية)

اشارة

مادة (1572)

الإقرار:

هو اخبار الإنسان عن حق عليه لآخر، عرف فقهاؤنا الإقرار بأنه اخبار عن حق سابق لا يقتضي تمليكا بنفسه بل يكشف عن سبقه و أخصر منه انه اخبار عن حق ثابت- لإخراج الاخبار عن حق يثبت كالاخبار بأنه سوف يملكه فإنه وعد لا يجب الوفاء به فقها و ان وجب أخلاقا، ثم ان من أحكام الإسلام الضرورية نفوذ الإقرار و لزومه على المقر و لكن بعد استجماع الشرائط في المقر، و المقر له، و المقر به، و صيغة الإقرار و يتضح أكثر هذه الاعتبارات و الملاحظات من المواد الآتية، أما شرائط المقر فهي كما في مادة (1573) يشترط ان يكون عاقلا بالغا- الى قولها: و لكن الصغير المميز المأذون في حكم البالغ في الخصوصيات المأذون بها:

ص: 48

الوصية و الصدقة و نحوها من أبواب المعروف و ان لم يكن مأذونا و لازم هذا نفوذ إقراره فيها لقاعدة (من ملك شيئا ملك الإقرار به) كما انه لو كان مأذونا من الولي في بيع أو شراء و نحوهما نفذ إقراره فيها أيضا و اليه إشارة (المجلة) و أقوى شروط نفوذ الإقرار كونه صادرا عن رغبة و اختيار، فلو كان مكرها على إقراره لم يكن له اثر كما نصت عليه مادة (1575) يشترط في الإقرار رضا المقر،،، و ان لا يكون محجورا عليه لسفه أو فلس كما في مادة (1576) ان لا يكون المقر محجورا الى آخرها.

و كذا يشترط ان يكون المقر به محتمل الوقوع عادة فلو قال الفقير المعدم استقرض من مثله الف دينار بطل هذا الإقرار، و مثله ما لو أقر بالبلوغ و جسده لا يساعد على ذلك كما في مادة (1577) يشترط ان لا يكذب ظاهر الحال الإقرار،،، و لم تتعرض المجلة لبقية أحكام الإقرار بالبلوغ كما لم تتعرض لشي ء من أحكام الإقرار بالنسب مع انهما من أمهات مباحث الإقرار و قد استوفي فقهاؤنا أحكام كل منهما مفصلا و نحن نتعرض لكل واحد منهما موجزا فنقول: ذكر بعض فقهائنا ان الصبي أو الصبية لو أقر بأنه بالغ فان ادعاه بالاحتلام قبل منه بلا يمين و الا لزم الدور، و دفعه بان البلوغ موقوف على اليمين و اليمين موقوف على إمكان البلوغ غير تام، و ان ادعاه بالإنبات توقف على الاختبار و ان ادعاه بالسن توقف على البينة (و تحرير) هذا البحث بما هو امتن و ارصن يستدعي تمهيد

ص: 49

مقدمتين قبلا (الاولى) ان الدليل الذي يعتمد عليه في أصل حجية الإقرار هو النبوي المشهور (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) مضافا الى إشعار جملة من الآيات المجيدة: كونوا قوامين بالقسط شهداء بالحق و لو على أنفسكم) و مقتضى إطلاق النبوي المزبور ان المدار في الإقرار هو العقل لا البلوغ فلو أقر العاقل اي الرشيد المميز بشي ء نفذ إقراره و ان لم يكن بالغا و نسبة الدليل المزبور إلى أدلة رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ و عدم ترتيب اثر على تصرفاته و ان كان هي العموم من وجه فيتعارضان في الصبي العاقل و لكن لا يبعد ان الترجيح لدليل الإقرار فيخصص به عموم رفع القلم و ذلك لوجوه أقواها ان تعليق الجواز على العقل بأنه هو الملاك فان العاقل لا يعترف بما يضره كاذبا فيكون له مثل نظر الحكومة على الأدلة و مفاده ان إقرار العاقل نافذ عليه بالغا كان أو غير بالغ (الثانية) ان الاحكام التي تنفذ بالإقرار على المقر هي التي عليه لا التي له فلو أقر الصبي بالبلوغ ترتب عليه وجوب الصوم و الصلاة و النفقات و الزكاة و نحوها دون التي له كأخذ أمواله من الولي و صحة نكاحه و بيعه و شرائه و نحوها فان البلوغ بالنسبة الى هذه الآثار دعوى منه تحتاج إلى إثبات و لا فرق في ذلك بين الاستناد الى الاحتلام أو السن أو الإنبات، نعم في دعوى البلوغ بالاحتلام يمكن ان لا يكلف بالبينة لأنه من الأمور التي يعسر اطلاع الغير عليها و لكن يجري مثل هذا في السن أيضا فإنه يعسر إقامة البينة عليه

ص: 50

غالبا فيلزم تصديقه أيضا و لكن التصديق بمجرد الدعوى مشكل و اليمين دوري، و الأولى إناطة قبول مثل هذا الإقرار أو الدعوى الى نظر حاكم الشرع في القضايا الشخصية و ما يستنبطه من قرائن الأحوال فتدبره و اغتنمه (أما الإقرار بالنسب) فيعتبر فيه مضافا الى الشرائط العامة في مطلق الإقرار عدة أمور (1) ان يكون ما أقر به ممكنا عادة و لا يكذبه الحس فلو أقر بولد هو أكبر سنا منه أو مساويا أو أقل بمقدار لا يمكن تولده منه لغا الإقرار (2) ان لا يكذبه الشرع فلو أقر بولد ثابت تولده من غيره ببينة أو شياع أو نحو ذلك لغا أيضا (3) ان لا يدعيه من يمكن لحوقه به فان الولد لا يلحق بأحدهما إلا بالبينة و مع التعارض فالقرعة (4) تصديق المقربة ان كان بالغا عاقلا حيا، و يسقط في الصغير و المجنون و الميت فلو أقر ببنوة واحد منهم ثبت في حق المقر و حق أقربائه و لا يسمع إنكاره بعد البلوغ و لا المجنون بعد صحته على المشهور نعم الحكم مقصور على ولد الصلب فلا يسري الى ولد الولد و الى الأب فلا يتعدى الى الأم و كل إقرار بنسب يلزم فيه التصديق سوى الثلاثة المتقدمة و لو تصادق كبيران على نسب صح و توارثا و لا يتعدى الى غيرهما إلا في الولد الكبير فيتعدى إلى أقاربه على المشهور، ثم ان الأصحاب فرعوا على الإقرار بالنسب فروعا خطيرة و كثيرة لا مجال لذكرها هنا فلتطلب من مواضعها

مادة (1578) يشترط ان لا يكون المقر به مجهولا بجهالة فاحشة إلخ.

ص: 51

هذا باب الإقرار بالمجهول و المبهم و فقهاؤنا رضوان اللّٰه عليهم حرروها أحسن تحرير، و خلاصته بتنقيح منا أن الإبهام اما ان يكون في المقر له أو في المقر به و على «الأول» فاما ان يكون مرددا بين افراد محصورة فيلزم المقر بالتعيين فان عين و الا بحبس حتى يعين، و اما ان يتردد بين افراد غير محصورة كما لو قال لأحد أهالي هذه البلدة على دين و فيها خلق كثير لغا هذا الإقرار و لم يكن له أي أثر (و في الثاني) يلزم بالتفسير أيضا فإن فسره بما له مالية يقبل منه و لو قليلا و الا حبس حتى يعين، و لو أبهم المقر له ثم عينه في شخص دفع له المال المقر به فان ادعاه آخر حلف المقر و الا أخذه المدعي بنكول المقر أو بالبينة، و لو عينه في شخصين اقتسماه و ان ادعى أحدهما اختصاصه به حلف المقر انه لهما و ان نكل أخذه مدعى الاختصاص كما لو أقام البينة و ان أقر به لهما و اختلفا فادعى كل منهما الاختصاص و انه له حلف المقر انه ليس له فان نكل عن يمين أحدهما اختص؟؟؟؟ حلف لهما معا اي حلف بأنه غير مختص بأحدهما اقتسماه و من هنا يستبين لك الخلل فيما ذكرته المجلة في آخر هذه المادة بقولها: و ان اختلفا فلكل منهما ان يطلب من المقر اليمين بعدم كون المال له فان نكل عن يمين الاثنين يكون المال مشتركا بينهما و ان نكل عن يمين أحدهما يكون ذلك المال مستقلا لمن نكل عن يمينه و ان حلف للاثنين يبرأ المقر من دعواهما و يبقى المال المقر به في يده (انتهى) و وجه الفساد فيه واضح فإنه إذا حلف للاثنين فاما ان

ص: 52

يحلف انه غير مختص بأحدهما بل مشترك فاللازم ان يقتسماه كما ذكرنا و ان حلف انه ليس لهذا حق فيه و لا للآخر فهذا إنكار بعد الإقرار و من قبيل تعقيب الإقرار بما ينافيه فيلزم بإقراره الأول انه لهما و على كل تقديره فلا وجه للحكم بإبقائه في يده بل ان حلف لهما أو نكل فالمال مشترك بينهما أخذا بإقراره المتقدم نعم لو حلف لأحدهما و نكل عن الآخر اختص به الذي لم يحلف له على تأمل فيه أيضا

ص: 53

الباب الثاني في (بيان وجوه صحة الإقرار)

(1579) كما يصح إقرار المعلوم كذلك يصح إقرار المجهول أيضا و لكن كون المقر به مجهولا الى آخرها،،،

الإقرار بمجهول لا تصح الجهالة فيه كالبيع و الإجارة و نحوهما هو أيضا من افراد الإقرار بمبهم يلزم المقر بتفسيره لا انه يلغو تماما كما تقول المجلة، فلو قال اشتريت هذه الدار من زيد بثمن لم أدفعه ألزمه الحاكم ببيان مقدار الثمن أو يأتي البائع ببينة على المقدار الذي يدعيه فيلزم المقر به فان لم تكن بينة و امتنع عن البيان بحبس أو تنزع الدار من يده كل ذلك بمراجعة الحاكم الشرعي و تقريره، و ما أدري إذا أقر بالبيع و الشراء لما ذا لا يجبر على بيان الثمن و إذا أقر بالسرقة أو الأمانة يجبر على بيان الامانة المجهولة و المال المسروق؟ و لما ذا اختلف الحكم مع وحدة الملاك؟ و اما لو قال بعت لفلان شيئا أو استأجرت

ص: 54

منه فإنما لا يصح إقراره و يلغو حيث لا تكون خصومة اما إذا ادعاء المقر له فاللازم ان يلزمه الحاكم بتفسيره أيضا لا محالة

مادة (1580) لا يتوقف الإقرار على قبول المقر له و لكن يكون مردودا برده الى الآخر،،،

الإقرار اما ان يكون بعين أو بدين اي كلي في الذمة فإن كان بعين و لم ينكرها المقر له أخذها طبعا و ان أنكرها لم تدخل في ملكه و تنزع من يد المقر لاعترافه بأنها ليست له و تصير مجهولة المالك مرجعها الحاكم الشرع، و ان أقر بدين لشخص فان صدقه أخذه و ان أكذبه سقط الدين و لم يكن لإقراره أثر نعم إذا كان المقر يعتقد فيما بينه و بين ربه انه مديون لذلك الشخص و انما أنكره لجهله أو نسيانه فالواجب عليه ان يدسه في أمواله فان لم يوصله في حياته دفعه الى ورثته بعد مماته و لو دفعه لحاكم الشرع مع شرح الحال له برأت ذمته، و قول المجلة انه مردود برده على إطلاقه غير صحيح

مادة (1581) إذا اختلف المقر و المقر له في سبب المقر به فلا يكون اختلافهما هذا مانعا لصحة الإقرار) إلخ،،

يختلف الحكم هنا باختلاف عبارة المقر و أسلوب البيان فيها فلو قال لك علي الف هي ثمن المبيع فقال المقر له بل هي قرض لي عليك لزمه الالف و لا يقدح الاختلاف في السبب بينهما، اما لو قال ابتعت منك كتابا و في ذمتي لك ألف هي ثمنه فقال لا ما بعتك شيئا و لكني أقرضتك ألفا فيمكن ان يقال هنا ان المقر له لا حق له في

ص: 55

إلزام المقر بالألف- فان الألف التي اعترف بها المقر أنكرها و القرض بالألف دعوى يدعيها يحتاج إلى إثباتها غايته ان المقر ملزوم فيما بينه و بين ربه ان يدفع الألف إلى حسب اعتقاده و لو بان يدسها في أمواله أو يدفعها له بعنوان الهدية ظاهرا! فقول المجلة:

فلا يكون اختلافهما هذا مانعا من صحة الإقرار- على إطلاقه غير صحيح (1582) طلب الصلح عن مال يكون بمعنى الإقرار بذلك المال و اما طلب الصلح عن دعوى مال فلا يكون بمعنى الإقرار بذلك المال الى آخرها،،، ما ذكر في هذه المادة قوي متين كالمتكرر في مادة (1583) إذا طلب أحد شراء المال في يده من آخر- يكون قد أقر بعدم كون المال له،،، فإنه و ان لم يصرح بان المال ليس له و لكنه من قبيل ما يقال: الكناية أبلغ من التصريح و قد تكون الدلالة على الشي ء بلازمه أدل عليه من الدلالة عليه بنفسه فليتدبر،،، مادة (1584) الإقرار الذي علق بالشرط باطل الى آخرها،،، ذكر فقهاؤنا رضوان اللّٰه عليهم انه لو علق الإقرار على شرط بطل فلو قال لك في ذمتي ألف ان شئت أو ان شاء زيد أو ان شاء اللّٰه كان الإقرار في الجميع لغوا إلا في الأخير إذا قصد محض التبرك و العادة، ثم اختلفوا في مثل: لك على الف ان شهد زيد، أو ان شهد زيد بالألف فهو صادق، و الأقوال في مثل هذا الفرع أو الفرض ثلاثة (1) الصحة مطلقا نظرا الى ان الإقرار إخبار جازم عن حق لازم في السابق و الحق

ص: 56

لو لم يكن ثابتا في السابق لا تصيره شهادة زيد ثابتا فهو إذا ثابت باعترافه شهد زيد أم لم يشهد و حاصله الأخذ بالإقرار و إلغاء قيده نظير تعقيب الإقرار بما ينافيه كما سيأتي (2) يلزم بإقراره ان شهد زيد لأنه إقرار على هذا التقدير و فساده واضح يظهر من سابقه (3) البطلان مطلقا و لعله الأصح ضرورة ان الإقرار إخبار جازم و مع التعليق لا جزم فلا إقرار و لعله قصد بتلك الجملة شبه التعليق على المحال لاعتقاده ان زيدا لا يشهد ابدا و لا يقدح بهذا شهادته بعد لو شهد فتدبره ثم يظهر من بعضهم الاتفاق على صحة الإقرار لو علقه على أمر محقق الوقوع كأول الشهر و طلوع الشمس غدا و أمثال ذلك و لعل وجهه عندهم انه باعتبار كونه محقق الوقوع فلا تعليق حقيقة إذ التعليق الحقيقي انما يكون على أمر يحتمل وقوعه و يحتمل عدمه لا على الأمر الواقع لا محالة، و يندفع هذا بان تحقق الوقوع لا ينافي التعليق ضرورة انه من الأمور القصدية فلو قصد ان اعترافي بالحق معلق على هذا الأمر المحقق اي عند وقوعه أكون مقرا اما فعلا فلست بمقر كان هذا هو التعليق بعينه و حقيقته، نعم لو ظهر منه بقرينة حال أو مقال يريد انه معترف فعلا بألف له مثلا و لكن وقت استحقاقها و دفعها أول الشهر أو عند طلوع الشمس صح ذلك و الزم بأدائه في ذلك الوقت اما لو خلا من القرينة فهو باطل، و على فرض قيام القرينة و الحكم بالصحة فإنما يصح في مثل له على الف أول الشهر لا في المثال الذي ذكرته المجلة و هو: ان اتى ابتداء الشهر الفلاني فإني مديون لك بكذا

ص: 57

فإنه باطل لا محالة لأن المديونية لا معنى لتأجيلها إلى أول الشهر بل المعقول ان تكون المديونية فعلا و استحقاق الدفع يكون أول الشهر اما لو نصبت قرينة على ارادة ذلك فالعبرة حينئذ بها لا بهذا اللفظ فإنه مبائن لذلك المعنى و أجنبي عنه تماما فإنه إقرار فاسد و لفظ مختل فتدبره و اغتنمه.

مادة «1585» الإقرار بالمشاع صحيح الى آخرها.

لا ريب أن الإشاعة لا تمنع من صحة الإقرار و لكن قيد: ثم توفي المقر قبل الإقرار و التسليم- قيد توضيحي و محقق للموضوع إذ بعد الإقرار و التسليم قد انتهى كل شي ء فتدبره

مادة (1586) إقرار الأخرس بإشارته المعهودة معتبر

و لكن إقرار الناطق بإشارته لا تعتبر مثلا لو قال للناطق الى آخرها.

إما إشارة الأخرس فلا إشكال في أنها تقوم مقام كلامه في كل مقام مع الإفهام، إما إشارة المتمكن من الكلام فظاهر أصحابنا عدم الاكتفاء بها في العقود و لا سيما في عقود المعاوضات أو المغابنات و كذا في الإيقاعات كالطلاق و العتق و نحوهما، أما الإقرار فحيث انه خارج عن القسمين لانه من نوع الاخبار لا الإنشاء و لذا صرح بعض فقهائنا الأساطين بأنه لا يختص بلفظ و يصح بالإشارة المعلومة و يظهر منه الاتفاق عليه عندنا و وجهه واضح فإنه لو سئل هل لفلان عليك دين بألف فخفض رأسه مشيرا به عن قوله نعم بحيث علم ذلك منه أو حصل الاطمئنان العادي صدق عرفا انه أقر بألف و يشمله

ص: 58

عموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، و العجب من أرباب المجلة حيث اكتفوا بالإشارة و الكتابة في جملة من العقود كما مر عليك الأجزاء المتقدمة و لم يكتفوا بها هنا مع أنها أولى بالصحة و أحق لوجوه لا تختفي على المتأمل فليتدبر.

الباب الثالث في بيان أحكام الإقرار،

اشارة

و يشتمل على ثلاثة فصول

الفصل الأول في بيان الأحكام العمومية

مادة (1587) يلزم الرجل بإقراره

- و لكن إذا كذب بحكم الحاكم فلا يبقى لإقراره حكم و هو انه إلى آخرها.

هذه المادة مضافا الى تعقيدها عبارة مختلفة معنى و حكما، و حاصلها ان إقرار المرء نافذ عليه الا إذا حكم الحاكم بما يخالف إقراره فلو ان إنسانا بيده عين أقر أنه اشتراها من زيد و هي له فادعاها شخص و اثبت عند الحاكم انها له دفعت الى الشخص المحكوم له و رجع

ص: 59

على البائع بثمنه و لا يلزم بإقرار انها له لأن إقراره بطل بحكم الحاكم،،، و هاهنا موضع الوهم فان المرء مؤاخذ بإقراره و حكم الحاكم لا ينفذ عليه لانه خارج عن الدعوى فلا هو مدع و لا مدعى عليه و هو يعتقد بعدم صحة حكم الحاكم فالواجب عليه ظاهرا و واقعا ان بمضي على اعتقاده و لا يرجع بالثمن على البائع كما لو غصب العين منه غاصب أو تلفت بأحد أنواع التلف و البائع قد خرج عن العقدة بتسليم العين إلى المشتري المقر انها ملك البائع و ان الحاكم قد اشتبه في حكمه فما معنى الرجوع! نعم لو حكم الحاكم و أخذت من البائع قبل تسليمها إلى المشتري ينفسخ البيع قهرا لعدم قدرة البائع على التسليم قهرا و المانع الشرعي كالمانع العقلي و كذا لو سلمها و قصر في الدفاع عنها أو اعترف للمدعي انها له لانه قد سبب الإتلاف و لكنه هنا يضمن البدل مثلا أو قيمة لا الثمن فتدبره جيدا فإنه من التحقيقات الثمينة.

مادة (1588) لا يصح الرجوع عن الإقرار في حقوق العباد،،،

هذا غني عن البيان إذ لا معنى لنفوذ الإقرار إلا عدم قبول الإنكار و الا كان وجوده كعدمه نعم لو أبدى المقر وجهاً معقولًا لإقراره و انه أخبر بخلاف الواقع لغرض مقبول يحلف على ذلك و يبطل اقرأه، كما لو أقر بالبيع و قبض الثمن لأجل تسجيل الشهود في الورقة (و هو المعوف برسم القبالة) و كان إقراره قبل القبض لا تمام

ص: 60

الورقة و قبض الثمن بعد دفعها ففي مثل هذا لا يلزم بإقراره و يقبل إنكاره بيمينه و نظيره ما في مادة (1589) إذا ادعى أحد كونه كاذبا في إقراره- يحلف المقر له على عدم كون المقر كاذبا الى آخرها.

و لكن المتجه يمين المقر لا المقر له ضرورة ان المقر له هو يدعي التسليم و الإقباض لما تضمنه السند من الدين و المقر منكر فعليه اليمين على القاعدة المشهورة من ان اليمين على من أنكر فليتدبر.

مادة (1590) إذا أقر أحد لآخر الى آخرها،،

وجهها واضح فان المقر الأول أقر للثاني لا الثالث فلا سبيل للثالث الذي أقر له الثاني على المقر الأول.

الفصل الثاني في بيان ففي الملك المستعار

مادة «1591» إذا أضاف المقر به الى نفسه في إقراره يكون قد وهبه للمقر له الى آخرها، هذه المادة على ما فيها من التطويل الممل و التعقيد المخل، واهية المعنى و المبنى، و حاصلها- ان المقر إذا قال أموالي التي بيدي هي لفلان يحمل كلامه هذا على إرادة هبة أمواله إلى فلان و يلزمه تسليمها له و ان قال كافة الأموال المنسوبة لي هي

ص: 61

لفلان كان ذلك إقراراً بأنها لفلان يختص ذلك بالأموال الموجودة لا المتجددة في الصورتين هذا كل ما هذه المادة التي تزيد على صفحة و كلها تكرير أمثلة لا حاجة إليها، و تحرير هذا الموضوع و ما يتشعب على أصله من الفروع- انه لو أقر لغيره بعين أو بمال و لم يضفه الى نفسه فهو إقرار صحيح اتفاقا و لا حاجة الى ذكره و التعرض له أصلا إنما الكلام و البحث فيما لو أقر لغيره بعين أضافها إلى نفسه فقال داري أو أموالي لفلان و هذا الفرع محرر في كلمات فقهائنا رضوان اللّٰه عليهم و يظهر من الشهيد الثاني في روضته نسبة بطلان مثل هذا الإقرار إلى المشهور لامتناع اجتماع مالكين مستوعبين على مال واحد و الإقرار يقتضي سبق ملك المقر له على وقت الإقرار فيجتمع النقيضان ثم قال: و الأقوى الصحة لأن التناقض انما يتحقق مع ثبوت الملك لهما في نفس الأمر اما ثبوت أحدهما ظاهراً و الآخر في نفس الأمر فلا، و نسبته الى نفسه يحمل على الظاهر فإنه المطابق لحكم الإقرار إذ لا بدّ فيه من كون المقر به تحت يد المقر و يقتضي ظاهراً كونه ملكا لهو الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة مثل لا تخرجوهن من بيوتهن و كوكب الخرقاء و لا ينافيه إقراره بأنه للغير واقعا و الحمل على الإقرار الصحيح يقتضي ذلك و يكون قرينة عليه لو لم يكن الكلام دالا عليه بنفسه انتهى ملخصا، و هذه المناظرة كما تراها قوية جدا و القول بالصحة من جهتها متعين.

اما- ما ذكرته المجلة من انه هبة فهو من التخاليط أو الاغاليط

ص: 62

المتوفرة في هذا الكتاب فإن الهبة إنشاء و الإقرار اخبار، و الإنشاء و الاخبار على طرفي نقيض و حينئذ فحق الكلام في المقام ان يقال انه إذا قال داري أو مالي لفلان فإن ظهر منه بقرينة الحال أو المقال انه يريد إنشاء الهبة و التمليك كان هبة و هي متفرعة على ملكيته أي ملكية الواهب الحقيقة لا الصورية كما في الإقرار الذي هو ضد الهبة و إذا صار هبة فالتسليم غير لازم بل بعد التسليم تصير لازمة كما عرفت في محله من ان الهبة قبل القبض ليس لها أي أثر، و ان لم يظهر انه في مقام الإنشاء يحمل الكلام على الإقرار بالمعنى الذي سبق و بالتوجيه الذي أفاده الشهيد قدس سره و نسب الى الشهيد الأول أعلى اللّٰه درجته الفرق بين قوله ملكي لفلان و داري لفلان فحكم بالبطلان في الأول و توقف في الثاني و قوى عدم الفرق و هو الحق فتدبره، و بقية مواد هذا الفصل واضحة.

الفصل الثالث في بيان إقرار المريض

اشارة

يعنى المريض بمرض الموت و هو الذي مات فيه المقر أو الموصي مطلقا فلو أقر أو اوصى في مرض يموت الإنسان فيه غالبا ثم برئ و لم يمت به لم يجر عليه شي ء من تلك الاحكام كما في مادة (1597)

ص: 63

إذا فلا صحة لتعريفه بما في المجلة مادة (1595) مرض الموت هو الذي يخاف فيه الموت في الأكثر الذي يعجز المريض فيه عن رؤية مصالحه الخارجة عن داره ان كان من الذكور و يعجز عن رؤية المصالح الداخلة فيداره ان كان من الإناث و يموت على ذلك الحال قبل مرور سنة الى آخرها.

و كل هذه القيود و البنود لا حاجة إليها و لا عبرة بها بل المراد بمرض الموت كما عرفت- المرض الذي مات فيه قبل سنة أو بعدها عجز عن مصالح بيته أو لم يعجز مات قبل سنة أو بعدها، و على كل فالتصرفات المالية من المريض لو مات في مرضه لا يخلو اما ان تكون منجزة أو معلقة على الموت فالمعلقة على الموت هي الوصية فإن حقيقتها انها تمليك مجاني بعد الموت و لا تنفذ الا بمقدار الثلث فلو زادت توقفت على اجازة الورثة اما المنجزة فنوعان (معاوضة بثمن المثل) كبيع شي ء بثمنه أو إجارة كذلك و هو نافذ إجماعا (و محاباتي) كهبة أو وقف أو عنق أو بيع أو إجارة بأقل من ثمن المثل و هذا أيضا لا إشكال في نفوذه انما الخلاف في انه ينفذ من الأصل و يخرج الثلث من الباقي أو انه يخرج من الثلث فان زاد توقف على الإجازة كالوصية،،، المشهور بين المتقدمين هو الثاني و انعقدت الشهرة بين المتأخرين على الأول و منشأ الخلاف اختلاف الاخبار و لا يبعد ترجيح أخبار الأصل المتضمنة ان الإنسان أحق بماله ما دام في بدنه روح، هذا كله فيتصرفات المريض من بيع و عتق و هبة يعني عقود

ص: 64

المجانيات أو المغابنات اما اقرارات المريض بمرض الموت كما لو أقر انه باع داره قبلا أو انه مديون أريد بألف و أمثال ذلك لأجنبي أو وارث ففيه أقوال أصحها عند جماعة انه مع التهمة اي غلبة الظن بأن إقرار خلاف الواقع و انه انما يريد تخصيص المقر له بالمال المقر به حيث تشهد قرائن الأحوال بذلك كما لو أقر لزوجته الحظية عنده أو ولده العزيز و أمثال هذا فحينئذ يخرج من الثلث و الا فمن الأصل و موضع الخدشة فيه لا يخفى فان حمله على الوصية التي هي إنشاء تمليك و الإقرار إخبار حمل للكلام على ضد معناه و لو قيل ان فرض الكلام فيما لو قامت القرينة قلنا ان القرينة لو قامت فإنما تقوم على ارادة التمليك الحالي المنجز لا المعلق على الموت في الثلث فجعله منجزا في الثلث قول بلا دليل فاما وجه له و لا فرق في هذا بين ان يكون له وارث غير الزوجة أو لها وارث غير الزوج أو لا يكون فلا وجه لما في مادة (1596) إقرار من لم يكن له وارث الى قولها: يعتبر انه نوع وصية، و قد عرفت تباين الوصية مع الإقرار فكيف يحمل أحدهما على الآخر و قول أصحابنا أقرب الى التعقل حيث حملوه على الوصية و انه يخرج من الثلث مع التهمة فجعلوا التهمة كقرينة على ارادة التمليك المجاني المنجز و لكن حيث ان منجزات المريض المحاباتية تخرج عندهم من الثلث كانت كالوصية و يدل على هذا اي الخروج من الثلث مع التهمة اخبار تصلح للحجية (و الخلاصة)

ص: 65

علي هذا ان الإقرار مع التهمة من الثلث و بدونها من الأصل و لا ينافيه اختيار ان المنجزات من الأصل إذ لا مانع من ان يكون للإقرار حكم خاص في مرض الموت.

مادة «1598» إذا أقر أحد في مرض موته بعين أو دين لأحد ورثته ثم مات يكون إقراره موقوفا على إجازة باقي الورثة.

قد ظهر لك مما سبق انه لا توقف على الإجازة إلا مع زيادة المقر به على الثلث و تحقق التهمة اما لو نقصت عن الثلث أو زادت و لا تهمة فلا حاجة الى اجازة الورثة بل يلزم العمل بإقراره أجازوا أم لا و لا فرق في هذا بين كون الإقرار للوارث أو لغيره و لا بين الامانة و غيرها و لا بين أمانته عند الوارث أو أمانة الوارث و كل ما ذكر في هذه المادة فضلة من الكلام نعم الجديد أو المفيد فيها ان الورثة إذا صدقوا في حياة المقر ليس لهم الرجوع و هذا صحيح و لكن التقيد في الحياة لا وجه له فإنهم لو صدقوه بعد موته أيضا لا رجوع لهم.

مادة «1599» المراد من الوارث في هذا المبحث هو الذي كان وارثا للمريض وقت وفاته- الى آخرها.

حاصله ان المدار في الوارث على الوارث وقت الإقرار لا وقت الموت فإذا أقر في مرضه لأجنبية ثم تزوجها قبل الموت يكون إقراره لها نافذا لأنها لم تكن وارثة وقت الإقرار، اما لو كان سبب الإرث قديما كما لو أقر لأخيه في المرض و للمقر اين مات قبل أبيه و صار الميراث للأخ لا ينفذ الإقرار لأن سبب الإرث و هو الاخوة قديم اي

ص: 66

حاصل وقت الإقرار، و كل هذا تحكم و تحرض لا دليل عليه و لكن حيث ان هذا الحكم اعني عدم نفوذ الإقرار للوارث إلا بإجازة باقي الورثة ساقط عندنا من أصله فلا داعي لإطالة البحث فيه و الأصح في نظائره على الوارث حال الموت لا حال الإقرار فليتدبر.

و على هذا الملاك بنى ما في مادة «1600» إقرار المريض حال مرض موته بالإسناد إلى زمان الصحة في حكم الإقرار في زمان المرض الى آخرها.

فان المدار في الإقرار ملاحظة حاله لا حال الصحة و هو هنا صحيح و في الأول عليل.

مادة (1601) إقرار المريض بعين أو دين لأجنبي يعني لمن لم يكن وارثه في مرض موته صحيح الى آخرها.

عرفت ان هذا على إطلاقه ممنوع و انما يصح حيث لا تهمة أما معها فلا، اما حمل إقراره على الهبة أو الوصية فقد عرفت ان صيغة الإقرار تأباه لأنه اخبار و هما إنشاء نعم لو قامت القرائن القطعية على إرادته ذلك نفذ إقراره و لكن من الثلث أو الأصل كل فريق على مختاره.

مادة (1602) ديون الصحة مقدمة على ديون المرض

يعني تقدم الديون التي تعلقت بذمة من كانت تركة غريمه في حال صحته على الديون التي تعلقت بذمته في مرض موته بإقراره و هو انه تستوفى ديون الصحة منتركة المريض ثم تؤدى ديون المرض ان بقيت

ص: 67

فضلة- الى آخرها.

موضوع البحث في هذه المادة هو المدين الذي استغرقت ديونه تركته أو زادت، و حق التحرير فيه انتقال ان من استغرقت ديونه تركته اما ان يكون مفلساً اي حكم الحاكم بحجر أمواله ثم مرض مرض الموت و أقر بعين أو دين أو استقرض بعد الفلس و مات فلا إشكال في ان الغرماء المتقدمين على الحجر يختصون بوفاء ديونهم من التركة فإن زاد شي ء فهو للمتأخرين و لا اثر لمرض الموت في هذا الحكم بل يجري حتى في الصحيح إذا حجر عليه و مات أو اقتسم الغرماء أمواله في حياته فان ديونه المتجددة تبقى في ذمته و على أمواله المتجددة و لا يشاركون الغرماء السابقين و اما إذا لم يحجر عليه بحكم الحاكم فتقديم ديون الصحة على ديون المرض الثابتة المحققة استحسان محض لا دليل عليه سواء كان الثبوت بإقراره الخالي من التهمة أو بسبب آخر و سواء كان الإقرار في زمن الصحة أو المرض و في مرض الموت أو غيره و سواء كان الإقرار بعين أو دين و بالجملة فالديون بتة كلها سواء في مرتبة واحدة لا فرق بين ما كان منها في زمن الصحة أو في زمن المرض بإقرار أو بحجة اخرى، كلها تخرج من التركة ان وفت بها و ان لم تف وزعت على الغرماء بالنسبة كما في المفلس و لا يخرج من ذلك إلا الإقرار بعين أو دين مع التهمة فتدبره و اغتنمه.

و على الأصل الذي اعتمدوا عليه في هذه المادة بنوا

ص: 68

مادة «1603» إذا أقرا أحد في مرض موته بكونه قد استوفى طلبه الذي في ذمة أجنبي

ينظر الى ان هذا الطلب تعلق بذمة الأجنبي حال المرض أو حال الصحة- إلى آخرها.

تحرير هذا البحث ان من أقر بوصول حق له ثبت بتصرف مالي على غيره فلا يخلو اما ان يكون تصرفه كبيع أو قرض و إقراره معا في حال الصحة و اما ان يكونا معا حال المرض أو يكون التصرف حال الصحة و الإقرار حال المرض أو العكس أما (الاولى) فلا إشكال في نفوذ إقراره و لا يتوقف على اجازة الغرماء لو كان له غرماء و لا على غيرهم و اما (الثانية) فقد حكمت المجلة في هذه المادة بأنه يصح إقراره و لكن لا ينفذ في حق غرماء الصحة ثم فرقت بين هذه و بين الصورة الثالثة فحكمت فيها بصحة الإقرار على كل حال و ان كان له غرماء صحة و ليس لهم ان يقولوا لا نلزم بإقراره هذا، و لعل وجه الفرق عندهم بين الصورتين ان الغرماء عند مرض المديون يتعلق لهم حق في أمواله فتصرفه بالبيع أو القرض و نحوهما يكون في متعلق حقهم و إقراره بوصول عوضه اليه موقوف نفوذه على تصديقهم أو قبولهم فلهم ان لا يلتزموا بهذا الإقرار بخلاف الصورة الأولى فإن حق الغرماء في حال الصحة في ذمة المديون لا في أمواله فينفذ إقراره و لعلك تفطنت الى وجه الخدشة فيه فان المرض إذا كان يوجب تعلق الغرماء في أموال المديون فاللازم تعلق حقهم حتى لو كان التصرف حال الصحة فإن المدار على الإقرار لا على التصرف فإقراره بوصول الحق

ص: 69

إليه في حال مرضه يوجب النقص عليهم حيث لا يكون موجودا معلوما و على كل فالتفرقة لا تخلو من نظر أما (الرابعة) فهي كالأولى واضحة قطعية الصحة لأن التصرف حال المرض المتعقب بالصحة لا يبقى له اثر و ينفذ تصرفه و إقراره إذ المرض الموجب للحجر أو لتعلق حق الغرماء هو مرض الموت لا الذي تعقبته الصحة فليتدبر.

مادة (1604) ليس لأحد ان يؤدي دين غرمائه في مرض موته و يبطل حقوق باقيهم،،،

يريدون بهذه المادة معنى قصرت العبارة عن أدائه و هو انه إذا قصرت أموال المريض عن ديونه فليس له ان يدفع لواحد منهم تمام دينه و يجعل النقص و الخسران على الباقين بل لا بدّ من توزيع النقص على الجميع نعم لو كان في أمواله عين اشترها و لم يدفع ثمنها فصاحبها أحق بها و له ان يختص فيها كما سبق في محله، اما قولهم في هذه المادة: و لكن له ان يؤدى ثمن المال الذي اشتراه أو القرض الذي استقرضه حال كونه مريضا فهو واضح الضعف لأن الأموال ان كان فيها سعة فله دفع هذا الدين و غيره و ان كانت قاصرة تساوى الجميع بها فتدبرها بإمعان و باللّه المستعان.

مادة (1605) الكفالة بالمال في هذا المبحث في حكم الدين الأصلي إلى آخرها.

هذا مبني على ما تقدم منهم من الحكم الغريب المجازف و هو ان الإقرار للوارث في المرض لا ينفذ و الإقرار للأجنبي نافذ من الثلث

ص: 70

و قد قلنا انه إذا كان النفوذ من الثلث فنفوذه للوارث اولى و الأقربون اولى بالمعروف و الأصل في هذا عند فقهاء الجمهور النبوي المشهور في كتاب الوصايا و الفرائض: ان اللّٰه قد فرض لكل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث، و المراد منه على فرض صحته رفع الوجوب لا الجواز كما سيأتي في محله ان شاء اللّٰه.

الباب الرابع في (بيان الإقرار بالكتابة)

مادة (1606) الإقرار بالكتابة كالإقرار باللسان

انظر مادة (69) الكتابة اما ان يحص العلم منها للحاكم أو الشاهد أولا ففي صورة عدم حصول العلم أو الظن المتاخم لا عبرة بها قطعا و في صورة حصول العلم اما ان يحصل العلم بأنها خط فلان و توقيعه فقط من دون ان يحصل العلم بما اشتملت عليه من بيع أو إقرار بدين أو عين أو نحو ذلك أو يحصل العلم بأنها خطه و ان ما فيها حق مطابق للواقع ففي الصورة الأولى أيضا لا عبرة بها كالتي قبلها كما لا إشكال في اعتبارها و العمل عليها في الصورة الأخيرة و من هنا ظهر ان شهادة

ص: 71

الشهود ان هذا خط فلان و توقيعه لا تجدي ما لم يشهدوا على نفس الواقعة التي تضمنتها الكتابة و ظهر أيضا عدم صحة إطلاق المجلة ان الإقرار بالكتابة كالإقرار باللسان و الفرق بينهما عند أرباب القرائح جدا واضح، فتأمله تجده ان كنت من اهله و منه يستبين الخلل أيضا في مادة (1607) إذا أمر أحد كاتبا هو إقرار حكما بناء عليه لو أمر أحد كاتبا بقوله: اكتب لي سندا- الى آخرها.

هذا خارج عن الإقرار بالكتابة و خلط في الموضوع فإن الإقرار بالكتابة هو الخالي من لفظ أصلا اما الفرض المذكور فهو إقرار باللسان حقيقة لا حكما فإنه قال اني مديون (غايته) انه سجل إقراره و أمر بكتبه و هذا لا يخرجه عن الإقرار القولي كما هو واضح.

مادة «1608» القيود التي هي في دفاتر التجار المعتد بها هي من قبيل الإقرار بالكتابة أيضاً مثلا لو كان أحد التجار قد قيد في دفتره إلخ.

هذا ثابت في المعاملات التجارية و في عرف التجار اما عند الشرع و حكام الشرع فالمدار على ما ذكرنا من ان الكتابة إذا لم يحصل منها العلم فلا اعتماد عليها نعم لا مانع من إرجاع مثل هذه القضايا الى عرف التجار ليحكموا بها فيما بينهم على سبيل التراضي من دون تدخل الشرع فيها، و مما ذكرنا يظهر الحق الصريح و الحكم و الصحيح في مادة (1610) إذا أنكر من كتب سندا أو استكتبه و أعطاه ممضى أو مختوما الدين الذي حواه فلا يعتبر إنكاره إلى آخرها.

ص: 72

فإنه انما لا يعتبر إنكاره إذا كان خطبه و ختمه مشهورا متعارفا لو حصل العلم من خطه بوقوع ما اشتمل عليه الخط اما لو قطعنا بأنه خطه لكن لم يحصل لنا العلم بوقوع البيع منه واقعا مثلا فلا وجه لرد إنكاره ضرورة ان الإنسان قد يكتب معاملة قبل وقوعها ثم يعدل عنها و ملاك القضية هنا و في نظائرها ان الأصل في المعاملات عندنا انها لا تنعقد إلا بالإنشاء اللفظي فلو أنشأ البيع بالكتابة من دون لفظ لم ينعقد البيع و كذا سائر العقود بل و الإيقاعات و مثلها الإقرار غايته انه في العاجز عن التكلم يكفي الإشارة و كذا غير العاجز في بعض الموارد التي يصدق عرفا انه أقر كما سبق ذكره اما الكتابة فلم يعتبرها الشرع عندنا و لا العرف، هذا كله مع الأمن من التصنع و التزوير فكيف مع عدمه و إذا لم يثبت الحق بالكتابة رجعت القضية طبعا الى باب المدعي و المنكر فتدبره و اغتنمه، و مما ذكرنا يتضح الكلام في مادة «1611» إذا اعطى أحد سند دين حال كونه مرسوما الى آخرها، بل هي من قبيل سابقتها و ذكرها تكرار لا فائدة فيه كما انك عرفت الحكم في مادة «1613» إذا ظهر كيس مملو بالنقود في تركة أحد محرر عليه بخط الميت ان هذا الكيس مال فلان و هو عندي امانة يأخذه ذلك الرجل من التركة و لا يحتاج إلى إثبات بوجه آخر،،، فإنما لا يحتاج إلى الإثبات إذا حصل العلم بالواقع أو الاطمئنان بصحة ما كتب بخطه اما لو لم يحصل العلم بذلك فلا أثر للكتابة و لو علمنا بكونها بخطه و توقيعه و لا سيما مع التهمة،

و الى هنا انتهت مواد

ص: 73

المجلة المتضمنة لأحكام الإقرار الجديرة بالاعتبار،

و لكن بقي من مباحثه المهمة بحثان مهمان

اشارة

لم تتعرض المجلة لشي ء منهما و نحن استيعابا للفائدة نذكر موجزا من البحثين

[البحث الأول] في الإقرار بالمبهم

اشارة

و هو نوعان-

الإقرار بلفظ مبهم

مثل له علي مال أو شي ء أو عين أو مال حقير أو خطير أو يسير و إضراب ذلك من المفاهيم العامة المترددة بين القليل و الكثير، و حكم هذا النوع انه يلزم بالتغير فان فسره بما له مالية و لو قليلة قبل منه و ان امتنع عن التفسير أو فسره بما لا مالية له حبس حتى يبين و لو قال له علي حق ثم فسره بحق العيادة أو حق الجوار و نحو ذلك قيل يقبل منه و قيل لا- لان تلك الوجوه و ان أطلق عليها في الشرع انها حقوق لكن المتبادر عرفا من الحق الحقوق المالية و الأولى أو الأحوط رعاية المقامات فإنها تختلف باختلاف الأشخاص و الزمان و قرائن الأحوال و المرجع في أمثال ذلك الى حاكم الشرع الخبير بالعرف و أساليب البيان،،

[الثاني] الإقرار بالعدد المبهم

كما لو قال له علي كذا درهم بالجر أو بالرفع أو بالنصب أو السكون الزم بواحد فالجر على الإضافة البيانية و الرفع على البدلية و النصب على التمييز و السكون على واحد من هذه الوجوه و أشكل باحتمال ارادة الجزء فعلى الجر جزء درهم و هكذا في بقية الحركات و يلزم بتعيين الجزء، و مثل هذا لو قال كذا و كذا درهما، و كذا كذا درهما و قيل في هذين الإقرارين يلزم بأقل ما يوازنها من الاعداد أيضاً ففي المثال الأول يلزم بواحد و عشرين

ص: 74

درهما و في الثاني أحد عشر درهما، و يحصل من ضرب صور الإقرارات الثلاثة بأنواع الحركات الأربع اثنى عشر صورة و الأقوال فيها ثلاثة الحمل على الدرهم أو جزء منه في الجميع أو الحمل على أقل ما يوازنه من الأعداد كذلك أو إلزامه بالتفسير فيها اجمع، اما حمله على أقل ما يوازنه من الأعداد فهو و ان كان موافقاً لقواعد العربية و لكن العرف لا يعرف ذلك و لا يلتزم به في استعمالاته، فإلزامه بالتفسير في جميع الإقرارات المبهمة عددا أو غيره أسد و أسلم.

البحث الثاني (في تعقيب الإقرار بما ينافيه)

و هو أيضا نوعان [الأول] التعقيب بالاستثناء و له صورتان- استثناء من الجنس، و آخر من غير الجنس فان كان مستوعباً بطل مطلقا و الأصح الإقرار بالباقي و لو كان هو الأقل ان اتصل به عرفا و هو من النفي إثبات و من الإثبات نفي و عليه فلو قال له على مائة إلا تسعين لزمه عشرة لانه نفي التسعين من المائة المثبتة و لو قال الا تسعون لزمه المائة لأن [إلا] هنا وصفية بمعنى غير لا استثنائية يعني مائة موصوفة بأنها غير تسعين و هي صفة مؤكدة مثل نفخة واحدة و لا تختص الا الوصفية بالجمع المنكر كما قيل بل تصح في غيره على

ص: 75

الأصح و ورودها بقوله تعالى (لَوْ كٰانَ فِيهِمٰا آلِهَةٌ إِلَّا اللّٰهُ لَفَسَدَتٰا) لا يقتضي الاختصاص.

و لو قال ليس له علي مائة إلا تسعون يلزمه التسعون لانه استثناء من المنفي و هو بمنزلة ليس له علي الا تسعون و لو قال مائة إلا تسعين لم يثبت شي ء لأن النصب لا يكون الا من الموجب و حيث لا إيجاب تعين كون النفي مسلطا على تمام الجملة يعني ليس له علي مائة خرج منها التسعون اي ليس له علي عشرة فلم يعترف بشي ء و لا أقل من الاحتمال و الأصل البراءة فلا شي ء عليه و لو تعدد الاستثناء فان كان بعاطف كما لو قال له عشرة إلا أربعة و الا ثلاثة فالجميع الى المستثنى عنه فيلزمه الباقي سواء كان الثاني أقل من الأول أو أكثر أو مساويا نعم لو استوعب الجميع بطل ما به الاستيعاب كما لو قال له علي عشرة الا خمسة و الا خمسة بطلت الأخيرة و لزمه خمسة و مثله لو قال له؟؟؟؟

الا خمسة و الا سبعة أو إلا سبعة و الا خمسة.

و ان لم يكن بعاطف و لا مساويا لما قبله و لا أزيد رجع كل تال الى ما قبله مثل له علي عشرة الا خمسة إلا ثلاثة فيلزمه ثمانية و المرجع في كل أمثلة هذا الباب هي القاعدة المتقدمة- الاستثناء من الإثبات نفي و من النفي إثبات فإنه أثبت العشرة أولا في المثال ثم نفي بالاستثناء منها خمسة ثم اثبت بالاستثناء الثاني منها ثلاثة فلزمه ثمانية خمسة بالإثبات الأول و ثلاثة بالإثبات الثاني و هكذا مهما تعاقبت الاستثناءات بشرط ان لا يستوعب و لا ينفي شي ء فيبطل المبطل منها الأخير

ص: 76

أو الذي قبله و الضابط ان كل زوج و إثبات و كل فرد نفي فتجمع الأزواج و تطرح منها الافراد أو بحسب الزائد كما لو قال له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ثلاثة فيلزمه خمسة و عليك بالتطبيق و التحقيق فإنه رشيق و ليس بغامض و لا دقيق و باللّه التوفيق.

هذا كله في الاستثناء بالجنس اما الاستثناء بغير الجنس كما لو قال له علي عشرة دراهم الا ثوب فاللازم ان يطالب بتفسير الثوب و تعيين قيمته فان عينه بقيمة مستوعبة لم يقبل و ان فسره بما دون العشرة قبل منه و الزم بالباقي.

هذا كله في تعقيب الإقرار بالاستثناء اما تعقيبه بالإضراب بلفظ [بل] أو بغيرها كما لو قال له علي مائة بل تسعون فإنه يلزم بالمائة و المرجع في هذا الباب الى القواعد العربية المتبعة في هذه الأداة [بل] فإنها ان كانت بعد إيجاب جعلت الحكم لما بعدها و نفي ما قبلها مسكوتا عنه و حيث ان الإقرار في المثال المتقدم و أضرابه قد تحقق و يكون الإضراب شبه إنكار و لا يقبل الإنكار بعد الإقرار لذلك تعين الأخذ بالأول و هو المائة و نفي ما بعدها و هو التسعون و الضابطة ان ما بعدها ان كان داخلا فيما قبلها أو كان أكثر منه لزم الأكثر كما في المثال المتقدم و مثله له علي قفيز بل قفيزان أو درهم بل درهمان و ان كان مغايراً له بالتشخص أو الطبيعة كما لو قال له علي درهم بل ثوب أو هذا الدرهم بل هذا الدرهم لزمه الثوب و الدرهم في الأول و الدرهمان و هكذا في كل متباينين في المقر به أو المقر له كما لو قال

ص: 77

هذه الدار لزيد بل لعمرو فان الدار تدفع لزيد و يغرم قيمتها لعمرو و ان تغايرا بالإطلاق و التقييد كما لو قال له علي درهم بل هذا الدرهم لزمه المعين و لو قال له علي هذا الدرهم بل درهم لزمه المطلق اي درهم لعدم المنافاة بين المطلق و المقيد ففي الأول عين بعد الإطلاق فيتبع و في الثاني أطلق بعد التعيين و ليس هو إنكار حتى يلغو بل عدول الى ما ينطبق عليه فلا يلزم بالمعين.

كل هذا اتباعا لأصول العربية في الاستثناء و في الإضراب ففي الأول لا يعتبر إنكاراً ما لم يستوعب بخلاف الثاني و ان لم يستوعب فقول القائل له علي مائة إلا تسعين صحيح و يلزمه عشرة و قوله له علي مائة بل عشرة باطل و يلزمه بالمائة لا بالعشرة و الفرق بينهما من جهة الفرق بين الاداتين الا و بل لغة فتدبره، اما الإضراب بغير [بل] كما لو قال له علي عشرة ثمن مبيع لم أقبضه أو له على عشرة دفعتها له فالمشهور إلزامه بالعشرة و سقوط دعواه الدفع أو عدم قبض المبيع و لهم في ذلك بحث و خصام، و نقض و إبرام، ينتهي إلى أنه يؤخذ بإقراره و تطلب منه البينة على الدفع أو على انه ثمن مبيع إذ كلامه يتضمن إقراره و دعوى عين من أموال المقر له فيلزمه إثباتها و عندي فيه نظر نظراً إلى القاعدة المسلمة من ان للمتكلم ان يلحق بكلامه ما شاء و ان الكلام لا ينعقد له ظهور حتى ينتهى المتكلم منه أو يعرف انتهاؤه بالسكوت الطويل أو الانتقال الى موضوع آخر و على هذا جرت قضية الاستثناء و صح الإخراج سواء جعلناه قبل أو بعده و لا

ص: 78

ينقص بالإضراب فإنه يعد لغة و عرفا استيناف كلام و انتهاء من الكلام السابق و لذا لم يصححوا الإخراج فيه كالاستثناء في له علي مائة بل عشرة كما صححوه له علي مائة إلا تسعين و جعلوه إنكاراً بعد الإقرار، و عليه فيمكن منع كونه إقراراً يتضمن دعوى تحتاج إلى إثبات بل هو كلام واحد فاما ان يقبل كله أو برد كله و المسألة دقيقة تحتاج الى مزيد تأمل و تتبع.

ص: 79

الكتاب الرابع عشر (في الدعوى)

اشارة

(و يشتمل على مقدمة و بابين)

ص: 80

المقدمة (في بيان بعض الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالدعوى)

كان الاولى على طريقة الفقهاء ان يعنون هذا الكتاب بكتاب (القضاء و الحكم) و هو التشريع السماوي الذي شرعه الحق لفصل الخصومات بين الخلق و حفظاً لنظام الهيئة الاجتماعية. إذ لما كان من طبيعة هذا النوع أو سائر الأنواع الحية تنازع البقاء المؤدي بالطبع غالبا على الحرص و الأثرة مضافا الى غريزة الجهل و النسيان و الغلط المستلزم كل ذلك تعادي البشر، و تمادي الشر و الضرر، صار من الختم الضروري ان تشرع قوانين لحسم تلك المشاجرات، و تخفيف تلك الويلات، و لا بد لتلك القوانين من مهيمن عليها و مضطلع بأعباء تطبيق كلياتها

ص: 81

على مصاديقها و أنواعها على افرادها و جزئياتها، فالقوانين هي أحكام الدعوى و المضطلع بها المسيطر عليها هو الحاكم و القرآن المجيد هو الأصل في تعيين الحكم و الحاكم و إلزام العمل بحكمه و الرجوع اليه:

يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ وَ لٰا تَتَّبِعِ الْهَوىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ. و هذه الوظيفة هي خلافة اللّٰه في أرضه، و إذ قال ربك إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، ثم قال جل شأنه إلزاماً و خضوعاً و التزاماً بالعمل بحكم ذلك الخليفة: فَلٰا وَ رَبِّكَ لٰا يُؤْمِنُونَ حَتّٰى يُحَكِّمُوكَ فِيمٰا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لٰا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّٰا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً، خَصْمٰانِ بَغىٰ بَعْضُنٰا عَلىٰ بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنٰا بِالْحَقِّ وَ لٰا تُشْطِطْ وَ اهْدِنٰا إِلىٰ سَوٰاءِ الصِّرٰاطِ- إلى كثير من أمثالها و البحث في هذا الكتاب يقع في أركان الحكم و مقوماته و مقدماته و شروطه، و أركانه أربعة. الدعوى. و المدعي. و المدعى عليه. و الحاكم، و الحكم نتيجة كل ذلك، و حيث ان الدعوى هي؟؟؟ المقدمات لذلك بدأت بها المجلة فقالت

ص: 82

الباب الأول في (شروط الدعوى و أحكامها و دفعها

اشارة

و يشتمل على أربعة فصول)

الفصل الأول في (بيان شروط الدعوى)

مادة (1616) يشترط ان يكون المدعي و المدعى عليه عاقلين.

هذا خروج عن العنوان فان العنوان لبيان شرائط الدعوى لا شرائط المتداعيين، و إنما شرائط الدعوى كونها معلومة لا مجهولة و جزمية لا احتمالية و أمثال ذلك نعم لا اشكال ان شرائط المتداعيين أصالةً تكون شروطاً للدعوى تبعاً و يظهر من هذه المادة عدم اعتبار البلوغ في قبول الدعوى و يكفي كون المدعي مميزاً و هو محل نظر و ظاهر أصحابنا الاتفاق على اعتبار البلوغ فلا تسمع دعوى غير البالغ مطلقاً و لكن بعد أن استدل السيد الأستاذ (قده) لذلك بما دل من الاخبار على ان

ص: 83

أمر الصبي لا يجوز حتى يبلغ و بالإجماع قال: و لكن القدر المتيقن من الإجماع و غيره عدم سماع دعوى الصبي فيما يوجب تصرفاً في مال أو غيره مما هو ممنوع منه و الا فمقتضى عمومات وجوب الحكم بالعدل و القسط و نحوهما سماعها في غير التصرفات كما إذا ادعى على شخص انه جنى عليه أو سلبه ثوبه أو أخذ منه ما في يده و أتى بشهود فلا دليل على عدم سماع دعواه انتهى، و هو كما ترى قوي متين و يتفق مع ما ذكرته (المجلة) و لكنها أخلت ذكر باقي شرائط المدعي أو الدعوى مثل اشتراط كونه رشيداً فلا تسمع دعوى للسفيه و إن كان بالغاً و لكن قيدها بعضهم بالمال اما لو تعلقت دعواه بغير المال كحق القذف و الجناية و الزواج بل ترقى السيد رضوان اللّٰه عليه إلى سماع دعواه بالمال أيضاً لأن المسلم منعه من التصرف بالمال لا دعوى المال فإن أثبته دفعه الحاكم لوليه لا له و هو وجيه أيضاً (الشرط الثالث) و كون ما يدعيه لنفسه أو لموكله أو لمن له عليه ولاية أو كونه متعلق حصة من رهانة أو أمانة أو اعارة أو التقاط فلا تسمع الدعوى عن؟؟؟؟ بدون شي ء من تلك العلاقات نعم يجوز للأجنبي من باب الحسبة اقامة الدعوى كما لو ادعى شخص على صغار بدين على أبيهم بعد موته و الأجنبي يعلم بأن الأب قد دفع له دينه و له شهود على ذلك فله المدافعة كما له اقامة الدعوى في صورة العكس و علمه أن لأب الأيتام ديناً على شخص إذ لا قصور في العمومات عن شمولها لمثل ذلك (الشرط الرابع) ان يكون ما يدعيه امراً ممكناً فلا تسمع دعوى المحال عقلًا

ص: 84

أو عرفاً أو عادةً أو شرعاً (الخامس) ان يكون ملزماً بشي ء فلو ادعى عليه وقفاً أو هبة بلا قبض لم تسمع ضرورة ان الوقف بلا قبض ليس له اثر يلزم به لو ثبت (السادس) ان يكون ما يدعيه مما يصح ملكه فلا تصح دعوى المسلم خمراً أو خنزيراً إلا في مقام دعوى الاختصاص (السابع) أن يكون متعلق الدعوى معلوماً جنساً و نوعاً و وصفاً و قدراً في المشهور فلو ادعى عليه ثوباً أو فرسا أو كتاباً لم تسمع و عللوه بعدم الفائدة لو اعترف به و خالفهم جماعة فألزموا المدعى عليه بعد الثبوت بالتعين و الحلف على عدم الأعلى منه أو عدم العلم بما زاد و إلا يؤخذ منه القدر المتيقن مقداراً أو فرداً من حيث الوصف أو القيمة و لو كان مردداً بين ما له قيمة و ما ليس له قيمة و فسره بالثاني قبل منه مع اليمين (الثامن) صراحة الدعوى في استحقاق المدعي فلو قال هذه الدار كانت لي و هذا التمر من نخلي لم تسمع حتى يضم إليها و هو الآن لي و مثله لو قال هذه الأمة التي بيدك بنت أمتي، قالوا و لذا لو أقر شخص بيده جارية بأنها بنت أمتك لم يكن إقراراً له بالجارية بخلاف ما لو أقر له بان هذا الدقيق من حنطته و هذا الغزل من صوفه و عليه فلو أقر له بذلك لزمه الإقرار و وجه الفرق بين النوع الأول من الدعوى فلا يسمع و بين الثاني فيسمع و كذا الإقرار يظهر بالتأمل و بعد معرفة وجه الفرق بين المقامين على حقيقته يندفع إيراد السيد الأستاذ على ما ذكروه فليتدبر (التاسع) ان يكون للمدعي طرف توجه إليه المخاصمة فلو لم

ص: 85

يكن طرف موجود فعلًا و أراد إثبات موضوع بإصدار الحكم له من الحاكم ليكون دافعاً لدعوى محتملة لم يجب على الحاكم سماعها فلو سمعها لم ترتب على حكمه فلو ادعى المدعي تعاد الدعوى من رأس و استقرب السيد (قده) سماعها و ترتب الأثر على حكمه لو حكم و انه لا يجوز و هو محل نظر و لا يقاس هذا على الحكم بالهلال و الحدود التي لا خصومة فيها فليتدبر (العاشر) الجزم في الدعوى فلا تسمع الدعوى الظنية و الوهمية على المشهور و خالفهم جماعة فأجازوا سماع الاحتمالية فضلًا عن الظنية و فصل آخرون بين ما يعسر الاطلاع عليه كالقتل و السرقة و نحوهما و عن بعض تخصيص السماع بصورة احتمال الإقرار أو وجود البينة إذا ادعى المدعي أحدهما فإن حصل أحدهما نظرها الحاكم و إلا سقطت طبعاً و قد تمادى الجدال و تدافع بينهم الاستدلال في هذا المجال، و الأوجه عندي في أمثال هذه القضايا أن ترد الى نظر الحاكم فإن ظهر له من الخصوصيات المقامية و القرائن الحالية ان في ردها تضييع حق أو مشايعة باطل لزمه سماعها و إن وجدها واهية بحد ذاتها و إنها لا تنتهي إلى غاية تركها، و قد ورد في جملة من أحاديث أهل البيت سلام اللّٰه عليهم ما يدل على جواز الاستحلاف على التهمة كخبر بكر بن حبيب قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام أعطيت جبة الى القصار فذهبت بزعمه فقال عليه السلام ان اتهمته فاستحلفه و في خبر آخر لا يضمن القصار الا ما جنت يداه و إن اتهمته أحلفته، نعم لا يمكن هنا رد اليمين على المدعي لعدم جزمه فيقضي

ص: 86

بمجرد النكول أو توقف الدعوى و لا يقدح في تعميم حكمها ورودها في مورد اليد المقتضية لوحدة الملاك و للأصحاب، هنا بحوث عريضة طويلة فليراجعها من أرادها.

(الحادي عشر) تعيين المدعى عليه فلو ادعى على أحد الشخصين أو الأشخاص مرددا و لم تسمع كما لو قال لي كذا على زيد أو على عمرو على الترديد لم تسمع لعدم الفائدة بذلك لو ثبت اعترافهما بان قالا نعم أخذ عليه ذلك الدين و لا يعلم التعيين فإنه لا يثبت الحق على أحدهما لجريان الأصل في جعل كل واحد منهما و يمكن ان يقال بالسماع و الرجوع الى القرعة أو التوزيع بينهما لدفع الضرر أو المصالحة جمعا بين الحقوق نعم لو كانت الدعوى على غير محصورين سقطت قطعا و مثله الكلام مع الترديد في المدعي بان قال شخصان ان لأحدنا حقا عليك.

(الثاني عشر) يشترط في سماع الدعوى حضور المدعى عليه فلا تحسم الدعوى بالحكم القطعي نعم يجوز سماع الدعوى على الغائب في سفر أو غيره قريبا أو بعيدا و لكن لو قامت الحجة لا يحكم حكما قطعيا بل الغائب على حجته كما سيأتي في محله إن شاء اللّٰه.

و في خبر جميل الغائب يقتضي عليه إذا قامت عليه البينة و يباع ماله و يقتضي عنه دينه و هو غائب و يكون الغائب على حجته إذا قدم و لا يدفع المال إلى الذي أقام البينة إلا بكفلاء إذا لم يكن مليا نعم في خبر آخر لا يقضى على غائب و المراد به لا يقضى عليه قضاء قطعيا

ص: 87

حاسما لان الدعوى عليه لا تسمع و البينة لا تقبل.

هذا ذرو من القول أو ذروة من ذروة مما ذكره فقهاؤنا في شرائط صحة سماع الدعوى ذكرناها موجزة كرءوس أقلام و قد أخلت (المجلة) بأكثرها و منه تجد الفرق بين الفقاهتين أو الثقافتين و اللّٰه ولي توفيق الجميع،،، و الى الشرط الحادي عشر أشارت المجلة في مادة (1617) يشترط ان يكون المدعى عليه معلوما الى آخرها.

و الى الثاني عشر أشارت بمادة (1618) يشترط حضور الخصم حين الدعوى الى آخرها و الى السابع بمادة (1619) يشترط ان يكون المدعى به معلوما و لا تصح الدعوى إذا كان مجهولا،،، و الى الرابع بمادة (1629) يشترط ان يكون المدعى به محتمل الثبوت الى آخرها،،، و الى الخامس بمادة (1630) اما مادة (1621) إذا كان المدعى به عينا منقولا و حاضرا بالمجلس يدعيه المدعى بقوله هذا لي مشيرا اليه،،، و ما بعدها من المواد إلى مادة (1627) فجميعها لبيان مقدار المعلومية اللازمة في الدعوى و حدودها حسب اختلاف المواضع و الأعيان التي يدعي بها فإن جملة من الأشياء يكفي فيها المشاهدة و ان لم يعلم المدعي قيمتها أو كيلها و وزنها كخاتم الزمرد و نحوه فلو كانت

ص: 88

حاضرة كفت الإشارة إليها و ان كانت غايبه كفى الوصف و بالجملة فالظاهر المستفاد من النصوص و الفتاوى أن المعلومية المعتبرة في الدعوى أوسع دائرة من المعلومية المعتبرة في البيع فتكفي المشاهدة أو الوصف حتى في المكيل و الموزون الذي لا يكفي في البيع و في الأراضي و البساتين يكفي ذكر الحدود و الجهات بل لا بد من ذكر الحدود سواء في الدعوى أو البيع إلا إذا كانت حدوده مشهورة معلومة بحيث تغني شهرتها عن ذكرها و لا يلزم ذكر مساحته أو عدد نخيله و أشجاره و لا عدد غرف الدار و مرافقها كل ذلك لكفالة المعلومية في الجملة في أمثال هذه الموارد حتى في البيع الذي هو أضيق العقود فضلا عن غيره و قد أشار الى بعض هذا في مادة «1623» إذا كان المدعى به عقارا الى آخرها.

(اما المديون) فهي مبنية على المعلومية التامة لأنها حق في الذمة لا في الخارج فلا بد من بيانه بما يرفع الإبهام كما أشارت إليه مادة «1626» إذا كان المدعى به دينا يلزم المدعى بيان جنسه و نوعه و وصفه و مقداره مثلا يلزم ان يبين جنسه بقوله ذهبا أو فضة و نوعه بقوله سكة آل عثمان أو الانگليز و وصفه بقوله سكة خالصة أو مغشوشة و مقداره بقوله ألفا،،، إلى آخرها.

مادة «1627» إذا كان المدعى به عينا فلا يلزم بيان سبب الملكية

بل تصح دعوى الملك المطلق بقوله هذا المال لي و اما إذا كان دينا فيسئل عن سببه الى آخرها.

ص: 89

فالفرق بين المقامين غير واضح و الأصح انه لا يلزم بيان السبب لا في الدين و لا في العين فتدبره.

مادة «1628» حكم الإقرار هو ظهور المقر به و ليس حدوثه بداءة

و لهذا لا يكون الإقرار سببا للملك بناء عليه لو ادعى شيئا و جعل سببه إقراره فقط لا يسمع دعواه مثلا لو ادعى ان هذا المال لي و ان هذا الرجل الذي هو ذو اليد كان قد أقر بأنه مالي تسمع دعواه و اما إذا ادعى بقوله ان هذا المال لي لأن هذا الرجل الذي هو ذو اليد كان قد أقر بأنه مالي فلا تسمع دعواه،،، الفرق بين المثالين دخول اللام في الثاني فلم يصح لانه ظاهر في التعليل و عدم دخوله في الأول فتكون الدعوى مركبة أو متعلقة بأمرين الحق و انه قد أقر به، و لكن لا تذهبن عنك الخدشة في هذه التفرقة و انما تبطل الدعوى لو صرح ان سبب ثبوت الحق هو إقراره فإن الإقرار لا يكون سببا اما لو كان مراده من اللام ان الإقرار سبب الإثبات لا الثبوت كان متجها و وجب ان تسمع الدعوى في المقامين (توضيح) هذا انك ربما لا تكون عالما بان لك حقا على فلان و لكن هو قد اعترف به فتقول ان لي عليه هذا الحق لأنه هو أقر به و هذه دعوى صحيحة وجيهة فتدبره جيدا فإنه جيد ثمين و متين.

ص: 90

الفصل الثاني (في دفع الدعوى)

مادة «1631» الدفع هو الإتيان بدعوى من قبل المدعى عليه تدفع دعوى المدعى الى آخرها.

أتقن و أحسن من هذا التطويل القاصر و البيان الفاتر ان يقال ان جواب المدعى عليه اما إقرار أو إنكار أو سكوت، أما الأمثلة التي ذكرت في هذه المادة فكلها من قبيل الإقرار و دعوى الدفع فتنقلب الدعوى و يصير المدعي مدعى عليه و المدعى عليه مدعى و عليه إثبات الدعوى اي دفع الدفع أو التحويل أو غيرهما و (بالجملة) فالمدعى عليه إذا أقر حكم عليه فلو ادعى الإيصال أو نحوه لزمه الإثبات و الا نفذ الحكم عليه و إذا أنكر فعليه اليمين ان لم يكن للمدعي بينة «اما السكوت» فان كان لعذر مشروع لصمم أو خرس أو مرض توصلوا الى إفهامه بالإشارة و ان كان لعذر مانع فعلا أمهل إلى زوال عذره و ان كان بلا عذر الزم بالجواب أو لا بالرفق و اللين ثم يتدرج الحاكم إليه بالشدة و الغلظة من مرتبة إلى أشد منها حسب مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

فإن بقي مصرا على عدم الجواب فرارا من الحق و تماديا في الباطل فقد اختلفوا بين قائل بلزوم حبسه حتى يجيب، و قائل بأنه

ص: 91

يجبر عليه بالضرب و الإهانة و قيل ان الحاكم يقول له ثلاثا ان أجبت و الا جعلتك ناكلا و رددت اليمين على المدعى فان أصر رد اليمين و حكم عليه و قيل بتخير الحاكم و ينبغي ان يكون هذا هو الأصح فيكون امره راجعا الى الحاكم فان نفسيات الأشخاص مختلفة و درجاتهم متفاوتة و لكل مقام مقال و لكل رجل حال «و الغاية» انه إذا أصر على عدم الجواب بغير عذر و لم يتمكن الحاكم من التوصل إلى وسيلة لتحصيل جوابه رد اليمين على المدعي ثم يحكم على الساكت لانه اما ان يجيب بالإقرار و هو مثبت للحق و اما بالإنكار و حكم اليمين و حيث لم يحلف رد اليمين على المدعي و حكم له، اما المواد الثلاث المذكورة في هذا الفصل فكلها كما عرفت من قبيل الإقرار و دفع الدعوى بالدعوى و من قبيل الانقلاب الذي عرفت حكمه

الفصل الثالث (في بيان من كان خصما و من لم يكن)

مادة (1634) إذا ادعى أحد شيئا و كان يترتب على إقرار المدعى عليه حكم بتقدير إقراره يكون بإنكاره في الدعوى و اقامة البينة خصما.

و ان كان لم يترتب حكم على إقرار المدعى عليه إذا أقر لم يكن خصما بإنكاره مثلا-،،، تشويه البيان و سوء التعبير و شدة التعقيد أمر الفناه و عرفناه في هذا الكتاب و لكن الأمر الثقيل على الطبع

ص: 92

اللطيف هو التطويل بلا فائدة و الظاهر ان المراد بهذه المادة هو تعريف الخصم بأنه هو الذي يلزمه لو أقر حكم اى هو الذي يحكم عليه بشي ء لو أقر، و أنت خبير بان تعريف الخصم لا فائدة أصلا و لا ثمرة تترتب عليه ابدا فان كل واحد من المتداعيين خصم للآخر لا يمتاز أحدهما عن الآخر من ناحية الخصومة و أيضا لم يرد لفظ الخصم في كتاب و لا سنة حتى يلزمنا معرفته أو تعريفه و انما المهم و اللازم معرفة المدعي و المنكر و تمييز أحدهما عن الآخر حتى يلزم كل واحد منهما بوظيفته من البينة و اليمين حسب ما ورد في النبوي المشهور البينة لمن ادعى و اليمين على من أنكر، على اختلاف اساليبه الواردة في كتب الفقه و الحديث و هذه المسألة أعني قضية الضابطة لتمييز المدعي من المنكر هي من أمهات أو معضلات كتاب القضاء و قد اختلفت كلمات فقهائنا الاعلام في هذا المقام أشد الاختلاف و كثرت التعاريف و الضوابط بما يجتمع بعضها مع بعض تارة و يفرق أخرى في مورد دون مورد و محل دون آخر و المشهور من تلك الضوابط ثلاثة أو أربعة.

(1) المدعي هو من يخالف قوله الأصل و المنكر هو من يوافق قوله الأصل.

«2» المدعي من يخالف قوله الظاهر، و المنكر من يوافقه.

«3» المدعي هو الذي لو ترك يترك، و المنكر هو الذي لا يترك لو ترك.

ص: 93

(4) المدعي من لا يلزمه شي ء بإقراره و المنكر من يلزمه شي ء لو أقر و كان أصحاب المجلة أراد و هذا الوجه الأخير فقصرت عباراتهم عن القصد الصحيح حيث جعلوه ضابطة للخصم؟؟؟؟ لا يتعلق به غرض أصلا و انما المهم هو المدعي و المنكر فساء البيان و اختل الميزان و تنافرت الإطاعة و العصيان ثم ان تلك التعاريف قد تنطبق على مورد واحد متصادقة عليه و قد تتنافر في موارد اخرى (مثلا) لو ادعى زيد على شخص من غير أهل بلاده و لم نعرف له علاقة به و لا صلة معه بدين فأنكر الآخر فزيد هو المدعي على جميع التقادير المتقدمة و الشخص منكر على كل تقدير منها، و لكن لو ادعت الزوجة التي تسكن مع زوجها مع يساره و صلاحه انه لا ينفق عليها فهي منكرة على الأول و الأخير مدعية على الثاني و الثالث و ربما يتحصل فرض يختلف فيه كل فرض مع الآخر، و التحقيق المهم هنا ليس ترجيح احدى هذه الضوابط على سائرها و انما المهم شي ء أدق و أحق بالبحث و هو ان هذين اللفظين اعنى (المدعي) (و المنكر) ليس للشارع فيهما اصطلاح خاص و لا له فيهما حقيقة شرعية حتى نبحث عن ذلك المعنى المجعول و هو ما يسميه بعض (بالموضوعات المستنبطة) كالكر و المسافة و الزكاة و الصلاة و نظائرها و انما المراد به المعنى اللغوي أو العرفي و التعاريف كلها طالت أو قصرت كلها لتحديد ذلك المعنى و الكشف عنه بجملة جامعة مانعة و لننظر أولا إلى تصاريف هذه المادة اعني المدعي و لا خفاء في أنها مأخوذة من

ص: 94

الدعوى و هي مصدر أو اسم مصدر من دعا يدعو دعاه و دعوى و يرجع أصلها إلى الطلب و دعاه طلبه أو طلب منه و اليه يرجع المضاعف و هو ادعاه دعوى اي تطلب منه حقا أو شيئا إذا فالمدعي هو الذي يطلب منه غيره شيئا سواء كان طلبه موافقا للأصل أم لا موافقا للظاهر أو مخالفا فالزوجة مدعية لأنها تطلب من الزوج و ان كان في دعواها عدم الإنفاق مخالفة للظاهر من جهة يساره و سكناها معه و هذا و ان اختل في جملة من الموارد و هي باب الأمناء كالمستأجر و الودعي و المرتهن و العامل في المضاربة فإن أحد هؤلاء لو ادعى رد العين أو تلفها بغير تفريط فهو مدع قطعا مع انه لا يطلب شيئا من خصمه بل خصمه و هو الموجر و المودع يطلب شيئا منه و هو العين و لكن يمكن أيضا إرجاع هؤلاء الى ذلك الأصل فإن كل واحد من هؤلاء يطلب شيئا و هو سقوط ضمان اليد عنه لما عرفت في محله من هذا الكتاب ان عموم قاعدة تقتضي ضمان كل من تلف مال غيره في يده و لهذا الضمان مسقطات منها الرد و منها التلف بغير تفريط و غير ذلك فالمستأجر يطلب سقوط ضمان العين التي كانت بيده بحصول المسقط فهو المدعي حقيقة و الموجر منكر و هكذا «و بالمجلة» فلو رجعنا الى العرف في معنى المدعي لوجدناه مفهوما بسيطا و في غاية البساطة و ليس هو أكثر من انه هو المطالب غيره بشي ء نعم قد يقع الاشتباه كثيرا في مصاديقه أو تمييز المطالب من المطالب منه و هذا جار في أكثر المفاهيم العرفية التي لا يزال يحصل الاشتباه و الشك في جملة

ص: 95

أفراد انه من مصاديقها أم لا و هنا تظهر فطانة الفقيه و لباقة المجتهد و فراسة الحاكم، و كل وظيفة الحاكم هي تطبيق الكليات على مصاديقها و استخراج أحكامها من أدلتها، فالمقتضي يعطي احكام الكليات و الحاكم يطبقها على الجزئيات،،، فتدبر هذا و انتفع به،،، اما الأمثلة التي ذكرتها المجلة في هذه المادة فالفرق بين المثالين لعله مبني على حقوق العقد و حيث ان حقوق عقد الرسول للمرسل فيكون هو الخصم للمدعى و تسمع دعواه و بيته لانه لو أقر للزمه دفع الثمن بخلاف الوكيل فان حقوق العقد له لا لموكله و لو أقر لم يلزمه بإقراره شي ء فلذا لا تسمع الدعوى عليه و لا البينة،،، هذا خلاصة ما اعتمدته المجلة في الفرق و لا يخفى على الشادي فضلا عن الفاضل ضعفه و ان الوكيل إذا اشترى لموكله كانت حقوق العقد لموكله أيضا كالمرسل [و بالمجلة] فالوكيل و الرسول ان اشتريا لأنفسهما كان المرسل و الموكل أجنبيين و لا تتوجه الدعوى الى واحد منهما أصلا و ان اشتريا للموكل و المرسل توجهت الدعوى إليهما و سمعت بينة المدعى عليهما، اما الوصي و الولي و المتولي فحقوق العقد لهم و إقرارهم نافذ في كل ما يعود الى ما لهم الولاية عليه بعد فرض أمانتهم و عنايتهم [مادة: 1635] الخصم في دعوى العين هو ذو اليد فقط،،، الدعوى اما ان تتعلق بعين أو دين أو منفعة أو حق اما الدعوى على العين فان كانت تعلقت الدعوى على من هي في يده فعلا فلو كان ذو اليد قد اشتراها من آخر لعلة غاصب لها أو متغلب عليها اشتباها لم تتوجه على ذلك

ص: 96

الغاصب البالغ بل على المشتري المستولي على العين فعلا فإذا أثبت المدعي أنها له انتزاعها منه و يرجع بالثمن على بائعها و ان كانت بالغة تخير في الرجوع بقيمتها على البائع أو على المشتري و يرجع هو على البائع و تجد تفصيل هذه النواحي في توارد الأيادي على العين إذا تلفت في يد أحدهم و مما ذكرنا يظهر الخلل في مادة (1636) إذا خرج مستحق للمال المشتري و ادعاه نظر الى ان المشتري،،، فان الدعوى على كل حال تتوجه إلى ذي اليد بايعا كان أو مشتريا فإذا كانت لا تزال عند البائع كان هو الخصم لا يلزم حضور المشتري لأنه لم يعلم كونه مالكا و ملكيته على ملكية البائع و هي الأصل فإذا زال زال الفرع تبعا قهرا.

مادة (1637) يشترط حضور الوديع و المودع و المستعير و المعير

و المستأجر و المؤجر و المرتهن و الراهن معا عند دعوى الوديعة على الوديع الى آخرها،،، العين في يد هؤلاء أمانة مالكية فلو ادعاها مدع فالدعوى على المالك لا على المؤتمن بل و لا يشترط حضوره أصلا بل لو أراد ان يدفع الدعوى من نفسه كان متبرعا و لا تنحسم الدعوى بدفاعه بل لا بد من دفاع المالك و الحكم له أو عليه اما لو غصبها غاصب من المستعين أو من المرتهن أو المستأجر فلكل واحد منهم الدفاع بما انه أمين و الأمين وظيفته المحافظة على الامانة و الدفاع عنها بل لو لم يدافع لكان مقصرا أو ضامنا فمن هنا صح دفاعهم عن الامانة و تحققت الخصومة كما انها تصح من المالك و هو في ذلك

ص: 97

الأصل الذي اليه و به تنتهي القضية اما أولئك اعني الوعي و المستعير و المرتهن فيشكل انسجام الدعوى بدفاعهم بحيث لو صار الحكم عليهم لا يبقى مجال دفاع للمالك و تجديد النظر فيها كما لو كان الحكم عليه رأسا فتدبره فإنه جدير بذلك.

(1638) لا يكون لوديع خصما للمشترى

و هو انه إذا ادعى أحد تسليم الدار المودعة عند شخص بقوله اني اشتريت هذه الدار الى آخرها.

الفرق بين المثالين ان المدعى في المثال الأول لم يدع الوكالة فلو ادعاها فرضا لم يثبتها و في الثاني ادعاها و إثباتها، و لكن لا يذهبن عنك ان يقول وكلتك بتسليمها و إقباضها إذ لا معنى ان يوكل الإنسان على قبض ما انتقل اليه و ما صار ملكه نعم انما يصح ان يوكل الوديع في الإقباض و التسليم فتدبره.

(1639) لا يكون الوديع خصما لدائن المودع

بناء عليه إذا أثبت الدائن طلبه الذي هو في ذمة المودع في مواجهة الوديع فليس ان يستوفي الدين من الوديعة التي عنده،،، هذا صحيح و لكن قيد (في مواجهة الوديع) لا محل له بل إذا أثبت الدين في مواجهة الوديع أو غيبته لم يكن له الاستيفاء مطلقا كما ان أخذ النفقة من الدراهم المودعة للغائب لا يصح على إطلاقه بل انما يصح بحكم الحاكم مع مطالبة الزوجة مثلا و عدم باذل عنه لا مطلقا، فالأول يجب إطلاقه و الثاني يجب تقييده و هو واضح، و مادة [789] أيضا لا تفي

ص: 98

بالبيان فراجعها.

«1640» لا يكون مديون المديون خصما للدائن،،،

هذا مما لا اشكال فيه و لا ريب و لا حاجة الى بيانه فإنه من توضيح الواضحات و مثله مادة (1641) لا يكون المشتري من المشتري خصما للبائع مثلا لو باع أحد ماله لآخر و بعد القبض باعه المشتري لآخر أيضا فليس للبائع الأول ان يطلب الثمن من المشتري الثاني-،،، نعم هذا صحيح و لكن للبائع ان يفسخ بخيار تأخير الثمن و إذا انحل العقد الأول انحل الثاني طبعا فيسترجع البائع العين من المشتري الثاني و هو واضح.

مادة «1642» يصح ان يكون أحد الورثة خصما في الدعوى التي تقام على الميت أو له،،، الى آخرها.

هذا الموضوع متشعب الجهات متسع النواحي و لم توفه المجلة حقه، فنقول في تشريحه و توضيحه من جميع أطرافه- ان واحدا من جماعة لو ادعى على آخر بعين في يده أو دين في ذمته، أو ادعى شخص على واحد من جماعة كذلك فاما ان يكون السبب في الدعوى واحدا أو متعددا فإذا كان لكل واحد سبب يدعى به فلا إشكال في ان الواحد لو ادعى بسبب و اثبت لم يثبت حق الآخر الذي يدعي حصته في العين بسبب آخر مثلا لو ادعى جماعة ان العين التي بيد زيد هي لهم اجمع و لكن ملكية أحدهم بالهبة و الآخر بالشراء

ص: 99

و هكذا فإذا أثبت المدعي بالهبة حقه فيها يحتاج مدعي البيع إلى إقامة دعوى مستقلة و إثبات آخر، و اما إذا اتحد السبب فاما ان يكون هو الإرث أو يكون غيره، اما الإرث فلو ادعى أحد الورثة عينا لميتهم في يد الغير فاما ان يقر صاحب اليد له بحصة فقط أو يقر بأنها لمورثه و على الثاني يشترك الورثة فيها بأجمعهم و لكن لا يجوز له دفع حصصهم لواحد منهم الا بتوكيل منهم و الا فاللازم ان يدفع لكل واحد حصته، و لو أقر للمدعي بحصته فقط لم يثبت حق الآخرين الا بدعوى منهم مستقلة و إثبات جديد و ان لم يقر و اثبت الوارث المدعى حقه بالبينة فإن شهدت البينة بحقه فقط لم يثبت حق الآخرين و ان شهدت بالسبب بان قالت ان هذه العين لمورثهم يثبت حق الجميع و لكن لا يدفع حق كل واحد الا له أو لوكيله و لا فرق في هذا بين دعوى الدين أو العين، اما إذا كانت الدعوى على الميت بدين أو بعين هي في يد واحد منهم فإن أقر له صاحب اليد نفذ إقراره في حصته فقط و لا ينفذ على الباقين بل يحتاج المدعى الى إقامة الدعوى على كل واحد منهم مستقلا، و ان أثبتها بالبينة فقد يقال انه يمشي الحكم على الجميع و هو الذي صرحت به المجلة في هذه المادة حيث يقول: و إذا لم يقروا ثبت المدعي دعواه في حضور ذلك الوارث فقط يحكم على جميع الورثة و إذا أراد ان يأخذ طلبه الذي أثبته من التركة فليس للورثة ان يقولوا له اثبت ذلك في حضورنا أيضا- الى قوله: و ان أنكر الوارث الذي هو ذو اليد و أثبت المدعي دعواه

ص: 100

يحكم على جميع الورثة انظر مادة «78» و هي البينة حجة متعدية و الإقرار حجة قاصرة.

و لكن هذا الكلام مختل الدعام، منحل النظام، أما (أولا) فيمكن ان يقال ان البينة و الحكم إذا قام على أحد الورثة لم يكن وجه لسريانه إلى باقي الورثة مع عدم حضورهم إذ لعل لهم دفاعا غير الذي دافع به ذلك الوارث المحكوم فلا بد اما من حضورهم في الدعوى أو تحديدها بالنسبة إليهم (و ثانيا) لو فرض سريان الحكم و البينة إليهم فما الوجه في قول المجلة و لكن لهم صلاحية دفع دعوى المدعي فان معنى نفوذ الحكم ان ليس لهم بعد الحكم حق الدفع فهذه الجملة تشبه ان تكون متناقضة مع ما تقدمها و ما تأخر عنها، و الأقرب ان الحكم على أحد الورثة لا يسري الى الباقين الذين لم يحضروا و لم يوكلوا و لهم المطالبة بإعادة الدعوى بحضورهم أما مادة (78) فهي أجنبية عن هذا المعنى فراجع الجزء الأول من التحرير هذا كله في الدعوى على الميت و الورثة، و اما لو كانت الدعوى لهم على شخص فإن أقر للجميع فلا اشكال و ان أقر لواحد اختص الإقرار به و ان اثبت الحق بالبينة لزمه الحق للجميع ان شهدت البينة و الحكم به كذلك و الا اختص الحق بمن اختصت به و بالضرورة فإن الحكم انما يصدر على وزان البينة سعة و ضيقا، و مثله الكلام في دعوى واحد من جماعة بسبب واحد غير الإرث كالاتهاب و الشراء و أمثالها فإنه أيضا يدور مدار الإقرار و البينة سعة و ضيقا و من جميع ذلك

ص: 101

يتضح لك ان الإقرار و البينة متساويان من هذه الجهات و ان اختلفا بالنظر الى بعض الخصوصيات كما تقدم في محله و هذا كله مما لا ينبغي الإشكال فيه انما الاشكال و العقدة العسرة الانحلال، ان الواحد الذي يدعي بالسبب المشترك إرثا كان أو غيره إذا أقر له المدعى عليه بخصوصه أو قامت البينة عليه كذلك إرثا كان السبب أو غيره كما لو ادعى ان هذه الثياب التي بيد زيد هي له و لإخوته إرثا أو شراء فاعترف له صاحب اليد بان له ثوبا منها و دفعه اليه فهل يشترك معه اخوته حسب دعواه و اعترافه أو يختص حسب إقرار صاحب اليد مسألة مشكلة و لأصحابنا فيها خلاف يطلب من مظانه و الاشتراك أقرب عينا كان أو دينا و ليس من هذا القبيل اعتراف أحد الإخوة بأن زيدا المجهول النسب أخوهم و يشاركهم في الميراث فإنه لا يمضي إقراره إلا في حصته و لا يسرى الى إخوته الباقين اما لو اقام زيد البينة على انه أخوهم فإنه يشاركهم جميعا و ذاك لأن الإقرار حجة قاصرة و البينة حجة متعدية كما مضى في القاعدة التي مرت الإشارة إليها و هذا هو المعنى الصحيح للقاعدة لا ما تخيله أصحاب المجلة فتدبره ثم ان المجلة نبهت على القسم الثاني من أسباب الدعوى المشتركة و هو السبب غير الإرث في مادة (1643) ليس لأحد الشركاء في عين ملكوه بسبب غير الإرث ان يكون في الدعوى خصما للمدعي في حصة الآخر- و لكنها ناقصة غير مستوفاة فان الإثبات على أحدهم بحضورهم بالبينة فإنها تمضى عليهم جميعا ان شهدت البينة عليهم بنحو

ص: 102

عام و ان شهدت بنحو خاص أو كانوا غير حاضرين فالحكم لا يسري إليهم نعم لو أقر أحدهم بحق المدعي فهو مقصور على حصة ذلك المقر مطلقا.

مادة (1644) تسمع دعوى واحد من العامة إذا صار مدعيا

و يحكم على المدعى عليه في دعوى المحال التي يعود نفعها الى العموم كالطريق العام.

يعنى لو ان أحدا ادعى ان هذا الشخص قد أخذ من الطريق العام لداره أو يجلس فيه للبيع و يضر بالمارة تسمع دعواه و إذا أثبتها يحكم على المدعى بما يراه الحاكم من غرامة و غيرها مادة «1645» واضحة مادة «1646» أهالي القرية الذين يزيد عددهم على المائة يعدون غير محصورين.

الأصح إرجاع المحصور و غيره الى العرف و الظاهر ان ملاك غير المحصور ان يبلغ من الكثرة إلى مقدار يعسر عده و هذا يختلف باختلاف الأحوال و المواقع فقد تكون المائة في حال محصورة و قد تكون في حال آخر غير محصورة.

ص: 103

الفصل الرابع في (بيان التناقض)

اشارة

هذا المبحث لا عين له في كتب أصحابنا و لا اثر و لم يذكر في متون الفقه، و إهماله هو المتعين فان التناقض خصوصية في جريان المرافعة و الخصومة و يرجع حكمها الى الحاكم و يختلف ذلك باختلاف المقامات و الأحوال فقد يكون التناقض بإقرار بعد إنكار أو إنكار بعد إقرار فهو و ان تناقض و لكن الحكم يكون على إقراره في المقامين و لا أثر لإنكاره تقدم أو تأخر، و على هذا النسق الأمثلة التي ذكرتها «المجلة»: مثلا لو أراد أحد ان يشتري مالا ثم قبل الاشتراء ادعى انه ملكه لا تسمع دعواه- فان هذا ممنوع على إطلاقه بل يمكن القول بصحة سماع دعواه إذا أبدى وجها مشروعا معقولا يظهر عليه الصدق حسب المقامات مثل انه أراد شراءه تفاديا من خسة الخصومة و حفظا للكرامة ثم رأى غلاء الثمن فعدل عن ذلك و ما أشبه هذا من الوجوه الكثيرة و المعاذير المعقولة و مثل هذا ما يليه من الأمثلة فالجميع يمكن في بعض المواقع قبول الدعوى لوجه مشروع يرتفع به التناقض

ص: 104

إذا فالتناقض ليس بأمر ذي شأن يقتضي أن يعقد له عنوان، بل من خصوصيات جريان المرافعات و ليس له قاعدة كلية و حكم مطرد بل يكون مانعا تارة و غير مانع اخرى و أوضح من هذا خللا و ضعفا مادة «1648» كما انه لا يصح لأحد ان يدعي المال الذي أقر بكونه لغيره بقوله هذا مالي كذلك لا يصح ان يدعيه بالوكالة أو الوصاية عن آخر.

إذ أي مانع ان يكون كما أقر به للغير باعتبار الزمن السابق ثم انتقل الى المقر بعد ذلك غايته انه ملزم بالإثبات و هذا هو عين سماع الدعوى (فاسمعها جيدا) كما انه اى مانع من إقراره بأنه مال الغير و هو ولي عليه أو وصي عن آخر، فأين التناقض و لو صورة فضلا عن التناقض حقيقة، و هكذا مادة «1649» إذا أبرأ أحد آخر من جميع الدعاوي لا يصح له ان يدعي بعد ذلك مالا لنفسه و لكن يصح له ان يدعي بالوكالة.

فإنها أيضا قاصرة بتراء فإن الإبراء عما مضى من الحقوق في الزمان فلا مانع من دعوى حق له جديد متأخر عن وقت الإبراء و ان كان عن السابق و اللاحق فهو إبراء غير صحيح لانه من قبيل إسقاط ما لم يجب فله ان يدعي حقا جديدا بعد الإبراء و هكذا مادة «1650» إذا ادعى أحد مالا لآخر فلا يصح له بعد ذلك ان يدعي به لنفسه،،، بل يصح ان يدعيه لنفسه بدعوى انه اشتراه منه أو وهبه له

ص: 105

المالك و ما أشبه، فلأي شي ء لا تسمع دعواه؟ بل لعله قد ادعاه لآخر لغرض صحيح- كالغرض صح به ان يدعيه لآخر بعد ما ادعاه لنفسه لان الوكيل بالدعوى يضيف الملك الى نفسه في بعض الأحيان، و لا فرق في ذلك بين ان يكون عند الخصومة أو غيرها فافهمه.

مادة (1651) كما ان الحق الواحد لا يستوفي من كل واحد من الشخصين على حده بتمامه. كذلك لا يدعي الحق الواحد الذي ترتب من جهة واحدة على رجلين.

يعني كما ان الحق الذي ثبت على شخص معين لا يعقل ان يطالب غيره و لا يستوفي إلا منه كذلك الحق الذي يدعي به على شخص من جهة واحدة لا يمكن ان يدعي به من تلك الجهة على شخص آخر، و التقييد بوحدة الجهة احترازا عما لو تعددت فان الكفيل يطالب و يدعي عليه بما تكفل به مع صحة مطالبة المكفول أيضا لنفس ذلك الحق و لكن الجهة متعددة و ان كان الحق واحدا فإن أحدهما عهدة لنسبة و الأخرى عهدة غيرية و هذا و ان كان صحيحا بادي الرأي و لكن يمكن نقضه بالضمان على مذهب الجمهور من انه ضم ذمة إلى ذمة فكل واحد يصح مطالبة على البدل بحق واحد و من جهة واحدة فليتدبر.

مادة (1652) يتحقق التناقض في كلام الشخصين اللذان هما في حكم المتكلم الواحد كالوكيل و الموكل و الوارث و المورث الى آخرها.

ص: 106

كما لو ادعى الموكل ثمن مبيع و الوكيل غرامة إتلاف و نظائر ذلك و لكن قد يرتفع عند الحاكم تناقضهما ببعض الوجوه المعقولة.

مادة (1653) يرتفع التناقض بتصديق الخصم

مثلا بعد ان ادعى أحد على آخر ألفا من جهة القرض ثم لو ادعى ان المبلغ المذكور من جهة الكفالة و صدقه المدعى عليه يرتفع التناقض.

لعله لا تناقض أصلا فإن الكفالة اشتغال الذمة فهو أيضا قرض بمعناه العام نعم لو ادعى انه أخذ منه المبلغ قرضا ثم قال أخذته من غيره و قد كفله كان تداهنا فتدبره. و مثله مادة «1654» و يرتفع التناقض بتكذيب الحاكم مثلا لو ادعى المال الذي هو في يد غيره انه مالي و أنكر ذلك المدعى عليه بقوله ان هذا المال كان لفلان و انا اشتريته منه و اقام المدعي البينة و حكم بذلك يرجع المحكوم بثمن المال على البائع، و التناقض الذي رفع بين إقراره يكون المال للبائع و بين رجوعه بالثمن عليه بعد الحكم قد ارتفع بتكذيب حكم الحاكم إقراره.

فإنه لا تناقض أصلا ضرورة ان قوله هذا المال لفلان و ما اشتريته منه مبني على ظاهر اليد و قد ارتفع هذا بالبينة قبل ان يحكم الحاكم لما عرفت من ان البينة لها نظر الى الواقع و متعلقها منزل منزلة الواقع فلذلك هي حاكمة على اليد و على الإقرار و على سائر الأمارات فتدبره.

ص: 107

مادة (1655) يعفى التناقض إذا ظهرت مقدرة المدعي و كان محل خفاه مثلا إذا ادعى المستأجر على المؤجر إلى آخرها،،،

هذه بعض المعاذير التي يرتفع بها التناقض الظاهري و هناك وجوه أخرى كثيرة تجري حتى في مادة (1656) الابتدار الى تقسيم التركة إقرار بكون المقسوم مشتركا بناء عليه لو ادعى أحد إلى آخرها،، و وجه الارتفاع في الأول فضلا عن الثاني غير خفي فافهمه و تكثير الأمثلة و ان كان فيه فائدة التمرين أحيانا و لكنها قد توجب من الملل و الضجر أكثر من التمرين بالتمرين فما في مادة (1657) لو أمكن توفيق الكلام الذي يرى متناقضا و أوفقه المدعي أيضا يرتفع التناقض مثلا- الى آخرها.

جميل من حيث التنبيه على اختلاف التفاسير و أساليب الدعوى التي يختلف الحكم باختلافها من حيث التناقض و عدمه مع تقاربها بل وحدتها في بادى الرأي، فإذا قال لم تودع عندي شيئا كان مناقضا لقوله رددتها عليك اما لو قال ليس لك عندي فعلا لم يكن تناقضا و هكذا حال الأمثلة المتقدمة و هو باب جميل و ان كان فيه شي ء من التطويل و من هذا القبيل مادة [1658] فإنه بإقراره و كتابه للوثيقة و السند على نفسه فقد تم هذا الأمر من جهة فلو سعى في نقضه كان سعيه مردودا عليه،،، اما- مادة (1659) إذا باع أحد مالا في حضور آخر لشخص على انه ملكه و سلمه ثم ادعى

ص: 108

الحاضر بأنه ملكه مع انه كان حاضرا في مجلس البيع و سكت بلا عذر ينظر الى ان الحاضر هل كان من أقارب البائع أم لا- الى آخرها، فإنها مع ما فيها من التعقيد الشديد و سوء البيان، غير متجه ما فيها من التفصيل بين الأقارب و الأجانب فإن السكوت بغير عذر ظاهر في عدم علاقته به و انه ملك البائع و ربما كان السكوت كلاما فدعواه الملكية بعد ذلك يناقض اعترافه بملكية البائع التي دل عليها سكوته الذي هو بمنزلة الكلام و هذا الوجه يجري في البعيد و القريب و لا اعرف للتفصيل وجها معقولا فتدبره.

الباب الثاني في (حق مرور الزمان)

اعلم أصلحك اللّٰه ان فقهاء الإمامية رضوان اللّٰه عليهم لا يبحثون عن حكم واقعة الا من حيث دليلها الشرعي و ما يستفاد من نصوص الكتاب و السنة و احكام العقل الضروري يعني أنهم يبحثون عن أحكام الوقائع من حيث جعل الشارع الحكيم لا من حيث الجعل البشري و الاستحسانات الاعتبارية، و جعل القوانين الدولية، فان فقه

ص: 109

الإمامية بمعزل عن هذا بل هو شرعي محض لا يتعدى عن حدود الفرقان المجيد و السنة النبوية و الاحكام العقلية القطعية لا الظنية أو الاستحسانية، و حيث ان قضية مرور الزمان لا ترجع الى كتاب و لا سنة بل و لا الى عقل و لا استحسان و لا قياس، و انما هو جعل جزافي محض، و احكام اقتراحية صرفة، لذلك لا تجد لهذا البحث اعني بحث (مرور الزمان) في كتب أصحابنا عينا و لا أثرا لا في المختصرات و لا المطولات، و لعمر الحق ان عدم سماع الدعوى لقضية [مرور الزمان] لحكم جزافي جائز إذ ما المانع من سماع الحاكم دعوى قد مضى عليها مائة سنة لا ثلاثون فينظر فيها فان كانت حقا حكم بالحق و ان كانت باطلا ردها، اما التعليل بان تركه المطالبة بحقه طيلة المدة من غير عذر دليل على سقوطه و الا لطالب به فهو مدفوع بان هذا لا يقضي بعدم السماع بل اللازم ان يسمعها الحاكم ثم يسأله عن سبب تركه المطالبة في تلك البرهة فان أبدى عذرا معقولا فذاك و الا جعله بعض القرائن على بطلان حقه فإن عارضه بما هو أقوى حكم له و الا حكم عليه، (و الخلاصة) ان عدم سماع الدعوى لمرور الزمان يجحف بالحقوق و يروج دولة الباطل، و ما أكثر ما تكون للناس اعذار خفية، و موانع سرية، توجب عليهم تأخير المطالبة غير الموانع العامة كالصغر و الجنون و المرض و السفر فلو اوصدنا باب سماع الدعوى عليهم كنا قد ذهبنا بحقوقهم ظلما و عدوانا أ فليس من الظلم الفاحش ان لا تسمع دعواه و لعله محق فيها و من هذا البيان و ما

ص: 110

طويناه من أمثاله يظهر لك ان قضية مرور الزمان و سد باب الدعوى من اجله حكم جزافي لا يطابقه كتاب و لا سنة، و لا يوافقه عقل و لا قياس، و من هنا تعرف رصانة فقه الإمامية و بعد نظرهم و قوة مداركهم، إذا فلنطو هذا البحث على علامته و لنوصد بابه لأننا لا نبحث في مسألة الا من حيث دليلها الشرعي اما إذا خلت عن الدليل و كانت جعلا جزافيا، فلا ناقة لنا فيها و لا جمل و لسنا منها في خل و لا خمر. و كان الواجب على أرباب (المجلة) بما انها فقه إسلامي مأخوذ من أئمة المذاهب الأربعة ان لا يذكروا شيئا من هذا الباب في مجلتهم و اللازم على من يرغب في تحرير المجلة حذفه و اللّٰه الموفق و به المستعان.

ص: 111

الكتاب الخامس عشر (في البينات و التحليف)

اشارة

و يشتمل على مقدمة و أربعة أبواب

(المقدمة في بيان بعض الاصطلاحات الفقهية المتعلقة) بالبينات و التحليف

اشارة

المقدمة مادة «1676»

البينة:

هي الحجة القوية.

هذا تعريف باللام الأعم كما يقولون «سعدانة بنت».

فان الشياع أيضا حجة قوية و التواتر حجة قوية بل و ما دون البينة أيضا حجة قوية كخبر العدل الواحد بناء على حجيته في الجملة و كل هذه الأمارات حجة قوية فيما إذا تمتاز البينة إذا فالأصح

ص: 112

في تعريفها ان يقال انها- الشاهدان العادلان في أمر يترتب عليه حكم شرعي.

مادة «1677»

التواتر:

خبر جماعة لا يجوز العقل اتفاقهم على الكذب، و يعتبر ان يكون ذلك في جميع الطبقات فلو انتهى خبرهم الى واحد لا يكون الخبر متواتر بل الخبر عنه متواتر فيسقط و عليك بتدبره كي لا تسقط.

مادة (1678) واضحة «1679»

ذو اليد:

هو الذي وضع يده على عين بالفعل أو الذي يثبت تصرفه تصرف الملاك، ان كان المراد باليد- العضو الخاص و يراد من الوضع القبض بها صح العطف و لكن لا يعتبر هذا المعنى في اليد التي هي محل تعلق الأحكام من ضمان و دلالة على الملكية- و ان كان المراد بها الاستيلاء صح التفسير و لغا العطف فتدبره- و باقي المواد واضحة.

ص: 113

الباب الأول في (الشهادة

اشارة

و يشتمل على ثمانية فصول)

الفصل الأول في (بيان تعريف الشهادة و نصابها)

مادة «1684» الشهادة هي الأخبار بلفظ الشهادة

يعني يقول اشهد بإثبات حق أحد الذي هو ذمة الآخر،،، الا تعجبوا من شكاسة هذا التعبير و سوء هذا التفسير الذي هو كتفسير الشي ء بنفسه على حد قوله: كأننا و الماء من حولنا إلخ فإن النتيجة بعد تلك التعقيدات ان الشهادة هي قول أشهد بأن هذا له حق في ذمة هذا- مع ان الشهادة لا تنحصر بقضية الحق في الذمة بل تشمل الشهادة على العين أيضا و لا يعتبر في تحقق معناها حضور الحاكم و لا مواجهة الخصمين و انما هذه الخصوصيات معتبرة في مقام اعتبارها في الخصومة و حكم الحاكم بها لا في مقام اعتبارها بذاتها.

ص: 114

مادة (1685) نصاب الشهادة في حقوق العباد رجلان أو رجل و امرأتان

و تقبل شهادة النساء فقط في حق المال في المحال الذي لا يمكن اطلاع الرجال عليها،،، اعلم ان هذا البحث من أهم مباحث الشهادة بل هو في الدرجة الأولى، فإن حكم الحاكم بالشهادة موقوف على معرفة نصابها و هو يختلف حسب اختلاف الحقوق كما يختلف اشتراط الذكورة في بعض و عدم اشتراطها في بعض آخر و ما ذكرته (المجلة) في هذه المادة ناقص و مع نقصه مختل مضطرب و يعلم هذا من البيان الذي ننشره عليك و ذلك ان فقهاء الإمامية قسموا الحقوق قسمين (حقوق الخالق) جل شأنه «و حقوق المخلوق» و أظهر حقوق اللّٰه سبحانه هي العقوبات و الحدود التي فرضها على مرتكبي الكبائر المحرمة في الإسلام بل في عامة الشرائع و هو على قسمين قسم لا يثبت إلا بأربعة رجال أو ثلاثة و امرأتين و هو زنى المحصن الموجب للرجم و رجلين و اربع نساء و هو زنى غيره الموجب للجلد و اعتبار الأربعة منصوص في كتاب اللّٰه المجيد فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ- لَوْ لٰا جٰاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ و قيام النساء مقام الشاهدين، و الشاهد ثبت بالسنة و قد علل بعضهم اعتبار الأربعة بأنه شهادة على اثنين الزاني و المزني بها و الخدشة فيه واضحة، و في بعض الأحاديث أنه تعبد خاص و إيماء إلى بطلان القياس و الا فالقتل أعظم جريمة عند اللّٰه تعالى و أضر في المجتمع مع انه لم يعتبر في إثباته الأربعة و عندنا مع ذلك في هذا

ص: 115

الحكم حكمه دقيقة لا مجال لذكرها في هذا المقام و يلحق بالزنا أخواه.

اللواط و السحق و في إتيان البهائم خلاف (القسم الثاني) مالا يثبت الا بشاهدين من الرجال و هو ما عدا ما تقدم من باقي الجرائم و الجنايات كالقتل و السرقة قطعا لا مالا و شرب الخمر و الارتداد،،، و هذا مجمل حقوق الخالق اما حقوق المخلوق فهي أيضا أنواع «فمنها ما لا يثبت الا بشاهدين أيضا» و هو ما لا يقصد منه المال أصالة و ان استلزمه أحيانا تبعا كالطلاق و الخلع و الوكالة و الوصية العهدية أي الوصية إليه لا له و الأهلة و النسب اما العتق و النكاح و القصاص ففيه خلاف «و منها» ما يثبت أيضا بشاهد و امرأتين و شاهد و يمين و هو كل ما يقصد منه المال أصالة كالديون من القرض أو القراض و الغصب و عقود المعاوضات كأنواع البيوع و الإجارات و الرهن و الوصية التمليكية و الجنايات الموجبة للدية و الوقف على الأصح (و منها) ما يثبت بالرجال منفردين و بالنساء منفردات أو منضمات و ضابطته كلما يعسر اطلاع الرجال عليه من أحوال النساء كالولادة و الاستهلال و عيوب النساء الخاصة و كل مورد يثبت به الحق بشهادة النساء منفردات فلا يكفي فيه أقل من اربع و إذ لم يكمل النصاب كانت شهادتهن لغوا لا اثر لها إلا في موردين «الوصية» التمليكية فإنه يثبت بالواحدة ربع و بالاثنين نصف و بالثلاث ثلاثة أرباع و بالأربعة الكل «و الثاني» الاستهلال اي الشهادة بولادة الجنين حيا فيثبت بالواحدة ربع الميراث و هكذا، ثم ان الشهادة

ص: 116

لا تجب في شي ء من العقود و الإيقاعات لا وضعا و لا تكليفا إلا في الطلاق فإنه لا يصح بدون حضور الشاهدين العدلين و يستحب فيما عدا ذلك و يتأكد في عقود النكاح و الرجعة و لا يثبت شي ء منها عند الخصومة إلا بالبينة أو الإقرار أو الشاهد و اليمين الى آخر ما مر و يأتي إن شاء اللّٰه،،، و قد ظهر لك من هذا البيان الموجز ما في هذه المادة من الفتور و القصور أما «أولا» فالنصاب في حقوق العباد لا ينحصر في الرجلين أو الرجل و المرأتين بل يحصل بالواحد مع اليمين اي يمين المدعي «و ثانيا» فإن شهادة النساء في الجملة تقبل في المال و غيره في حقوق العباد و غيرها في ما يمكن اطلاع الرجال عليه و غيره و اما «ثالثا» فان التعبير بالمال ثم تقييده بالمحال التي لا يمكن اطلاع الرجال عليها يشبه ان يكون تهافتا فان كثيرا من المحال التي لا يمكن الاطلاع عليها لا تعلق لها بالمال أصلا كعيوب النساء الموجبة لفسخ عقد النكاح و اما «رابعا» فليس المدار في صحة شهادة النساء عدم إمكان اطلاع الرجال فان جميع موارد قبول شهادتهن كالولادة و عيوب النساء يمكن اطلاع الرجال عليها و لكن يعسر ذلك في الغالب على الرجال لانه لا يمكن فتدبره جيدا و اغتنم هذا البحث فإنه ثمين و متين نافع.

ص: 117

الفصل الثاني في (بيان كيفية الشهادة)

مادة [1687] لا تعتبر الشهادة التي تقع في خارج مجلس المحكمة

يعني لا تعتبر في حكم الحاكم بل لا بد في حكمه من استناده إلى الشهادة التي يسمعها في مجلس الخصومة امام الخصم و الحاكم، لأنها لا تعتبر مطلقا فان الحق أن البينة حجة مطلقة يجوز لكل من قامت عنده ان يعول عليها أو يجب، فمن شهدت عنده البينة ان الدار التي في يد زيد هي غصب لا يسوغ ان يشتريها منه و لا يجوز ان يدخلها باذنه و هكذا في سائر الموارد.

مادة (1688) يلزم ان يكون الشهود قد عاينوا بالذات المشهود به الى آخرها.

هذه المادة أيضا من المواد المختلة المبعثرة التي أضاع فهم المقصود منها لسوء بيانها، و تعقيد لسانها، و تشويه عبارتها، و هي أيضا من المباحث المهمة، و ما ضابطة ما يصير به الإنسان شاهدا و قد ذكر أصحابنا «رض» ان الضابط هو العلم الجازم بالمشهود به فقد قال جل شأنه «وَ لٰا تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» و قال صلى اللّٰه عليه و آله

ص: 118

على مثل هذه اي الشمس فاشهد أودع فإن كان المشهود به فعلا من الأفعال التي لا تدركها حاسة السمع و تدركها حاسة البصر غالبا كالقتل و السرقة و الرضاع و الولادة و نحوها لم تقبل فيه الا الشهادة المستندة إلى الرؤية عيانا و تقبل فيه شهادة الأصم، و ان كان من الأمور التي لا يدرك بحاسة البصر غالبا كالنسب و الملك المطلق و الموت و الوقف و نحوهما كفي فيه السماع المفيد للعلم من تواتر أو شياع أو استفاضة و يتحقق كل واحد من هذه الأسباب أو المسببات بتوالي اخبار جماعة لا يضمهم قيد التواطي و هي مندرجة في مراتب العلم من العلم القطعي الى الاطمئناني العادي إلى الظن المتاخم و قال شيخ الطائفة «قده» لو شهد عندك عدلان فصاعدا صرت متحملا و شاهد أصل لا شاهدا على شهادتهما لأن ثمرة الاستفاضة الظن و هو حاصل من شهادتهما و هو يشبه القياس مع وضوح المنع في المقيس و المقيس عليه فتدبره.

و ان كان المشهود به من الأقوال لزم السماع و العيان معا كصدور صيغة البيع من زيد أو القبول من عمرو أو وقوع صيغة الطلاق أو الوقف من شخص معين و هكذا أمثالها فلا بد في هذا النوع من اشتراك حاستي السمع و البصر بان يرى زيدا قد أجرى صيغة البيع أو النكاح بنفسة أو من وكله فيراه بعينه و يسمع الصيغة منه باذنه نعم لو شهد على الملكية أو كون الزوجة مطلقة أو الدار وقفا كفي السماع و الاستفاضة فتلخص ان المشهود به اما فعلا فالرؤية بالبصر و اما نسبة و اضافة فالاستفاضة و نحوها بالسمع، و اما قولا فالسمع و البصر

ص: 119

و مما ذكرنا يظهر لك ما في هذه المادة من القلق و الاضطراب.

مادة (1689) إذا لم يقل الشاهد اشهد و قال انا أعرف الخصوص الفلاني هكذا أو أخبر بذا لا يكون قد أدى الشهادة

- إلى آخرها. يظهر من هذه المادة إن أرباب المجلة يعتبرون في قبول الشهادة التلفظ بهذه المادة أو بما يشتق منها مثل اشهدوا انا شاهد و شهادتي كذا و الاقتصار على ذلك و عدم كفاية غيرها من الألفاظ التي تؤدي مؤداها و ان كان هو الموافق للاحتياط لورودها في الكتاب و السنة بهذه المادة و مشتقاتها و لكن لزومها على نحو البت و إلغاء قول الشاهد أنا اعلم ان هذه الدار ملك زيد أو ان هذا الولد ابن عمرو و عدم اعتداد الحاكم بها مشكل أما فقهاؤنا فلم أعثر على تصريح منهم باعتبار تلك الصيغة الخاصة و ان تكثر التعبير بها في كلماتهم، و الحق عدم الانحصار و ان كان هو الأحوط و الشهادة من الشهود و هو الحضور و حيث ان الحضور يستلزم العيان و الرؤية و العيان يستلزم العلم فأطلق الملزوم و أريد به اللازم و هو العلم، و يطلق الشهادة أيضا بهذا الاعتبار أيضا على الحس و منه عالم الغيب و الشهادة و لو فرضنا اعتبار هذه الصيغة الخاصة أعني الشهادة و ما يشتق منها فالتفصيل بين الإفادات الواقعة لمجرد استكشاف الحال و غيرها لا وجه له لان تقويم أهل الخبرة و الرجوع الى أرباب المهن و الحرف في أعمالهم و أحوالهم لا وجه لقبوله الا من باب الشهادة فاما ان يعتبر اللفظ الخاص في الجميع و اما ان يسقط اعتباره في الجميع و تفصيل (المجلة) لا وجه له.

ص: 120

مادة «1690» تكفي إشارة الشاهد عند الشهادة الى كل من المشهود له و المشهود عليه و المشهود به إذا كانوا حاضرين

- الى آخرها.

يراد بهذه المادة بيان انه يعتبر في الشهادة عدم الإجمال و الإبهام في شي ء من المشهود به و المشهود عليه و المشهود له فان كانت جميعها أو بعضها حاضرا في مجلس الشهادة كفت الإشارة إليها و ان كانت فلا بد من تعيينها بما يرفع الإبهام و لا ضابطة لهذا بل يختلف باختلاف المقامات فقد يحتاج الى ذكر الأب و الجد و القبيلة و قد يكفي ذكر اسم الشخص وحده لمعروفيته و شهرته و كذلك في المشهود به من حيث ذكر الحدود كما في العقار و المنازل و نحوها و كل ذلك منوط الى نظر الحاكم و استيضاحه من الشاهد حتى يحصل له اليقين بموضوع الشهادة التي يتوقف عليها الحكم الحاسم و كل ما بعد هذه من مواد هذا الفصل تبتنى على هذا الأصل أعني أصل التعيين و وضوح موضوع الشهادة عند الحاكم بجميع شئونها نعم مادة (1695) إذا ادعى أحد على آخر طلبا فان شهدت الشهود بان المدعى عليه مديون للمدعي بما ادعى به يكفي و لكن إذا سئل الخصم عن بقاء الدين الى وقت الادعاء و قالت الشهود لا ندري ترد شهادتهم.

فيها منع رد شهادتهم بل تقبل شهادتهم و يستصحب بقاء الدين في ذمة المدعى عليه الا أن يثبت سقوطه من ذمته بالأداء أو الإبراء أو نحو ذلك.

ص: 121

الفصل الثالث في (بيان شروط الشهادة الاساسية)

اشارة

جعل هذه المادة اساسية و التي قبلها المذكورة في [الفصل الثاني] غير اساسية لا يبتنى على وجه معقول بل الجميع سواء في الاعتبار فكما لا عبرة بالشهادة التي تقع خارج مجلس المحاكمة المذكورة في أول ذلك الفصل كذلك لا عبرة بالشهادة في حقوق الناس بدون سبق الدعوى المذكورة أول هذا الفصل.

مادة (1696) مضافا الى ما أشرنا إليه قبلا من ان هذه شروط الحكم حقيقة لا شروط الشهادة فإن البينة حجة مطلقا

سواء قامت عند الحاكم أو غيره، فمن قامت عنده البينة ان هذه الدار ملك زيد صح له شراؤها منه و لو لم يحكم الحاكم بذلك و كانت في يد غيره و عليه فليست هي شروط اساسية نعم هي شروط اساسية في الحكم و المخاصمة لا مطلقا، كما ان من العبث المستدرك ما في مادة «1697» فإن من الواضح الضروري ان البينة انما هي حجة في ما هو مشكوك و مجهول الحال لا فيما هو معلوم ففي مواضع العلم لا حجية لها أصلا سواء خالفت

ص: 122

العلم أو وافقته فضلا عن سقوطها فيما خالف المشاهد المحسوس فما ذكرته المجلة في هذه المادة من عدم قبول البينة إذا قامت على موت من حياته مشاهدة أو خراب دار عمارتها مشاهدة- في غاية السخافة و كذا مادة (1698) لا تقبل البينة التي قامت على خلاف التواتر ضرورة أن التواتر يفيد العلم فلا تعارضه البينة بالضرورة و كل هذا غني عن البيان فيلزم حذف هذه المواد من المجلة لأنها من الأصول الموضوعة فتدبرها.

مادة [1699] إنما جعلت البينة مشروعة لإظهار الحق

بناء عليه لا تقبل الشهادة بالنفي الصرف كقولك فلان ما فعل هذا الأمر و الشي ء الفلاني ليس لفلان و فلان ليس بمديون لفلان الى آخرها.

هذه المادة متداعية البناء من جميع أطرافها، ساقطة من كل نواحيها، فإن النفي الصرف اي المحض هو الذي لا متعلق له أصلا و هذا مما لا يعقل الشهادة عليه كالوجود الصرف اي الوجود المطلق (و ثانيا) فإن الأمثلة المزبورة ليس شي ء منها مثالا للنفي الصرف بل كلها نفي مقيد و سلب خاص ضرورة انه نفي فعل خاص عن فاعل خاص، و معلوم ان العدم و الوجود انما يخرج كل واحد منهما عن كونه محضا أو صرفا بتقيده و إضافته فالوجود انما يخرج عن الإطلاق و المحوضة بإضافته الى زيد و كذلك العدم، فما معنى جعل تلك الأمور و هي إعدام خاصة أمثلة للنفي الصرف و العدم المطلق؟ (و ثالثا) لا معنى لمقابلة النفي الصرف بالتواتر بل المقابل للنفي الصرف هو النفي المضاف

ص: 123

أى المقيد، و اى ربط للتواتر هنا، و هل هذا الا نظير تقسيم الشي ء إلى الأعم منه و الأخص فتدبره.

و كان حق التعبير ان يقال ان النفي الخاص مثل ان فلانا غير مديون لفلان و لم يسقترض منه في الوقت الفلاني لأني كنت معه في ذلك الوقت فإن أثبت ذلك بالبينة اي بشاهدين عدلين انه في الوقت الفلاني لم يستقرض أو أثبته بالتواتر حكم الحاكم بأنه غير مديون و الا فلا و من هنا تعرف الاشكال «رابعا» و هو انه لا ينحصر إثبات ذلك بالتواتر بل تكفي البينة أيضا فتقبل بينة العدلين كما تقبل بينة التواتر.

مادة (1700) يشترط ان لا يكون في الشهادة دفع مغرم أو جر مغنم الى آخرها.

هذه المادة أيضا مختلة جدا، بل ان هذا الباب اعنى باب قدح التهمة بالشهادة لجر مغنم أو دفع مغرم يلزم سده تماما إذ لا موقع له أصلا بعد اعتبار العدالة في الشاهد و كون العدالة هي تقوى اللّٰه عز شأنه التي تمنع صاحبها من ارتكاب الكبيرة و أي كبيرة أعظم من شهادة الزور فان كان الشاهد عادلا لم يشهد بالباطل و لو كان له الف مغنم أو دفع الف مغرم و الا فلا تقبل شهادته لعدم عدالته لا لقضية التهمة نعم ذكر أصحابنا اشتراط عدم التهمة في الشاهد و لكنهم لم يتسعوا فيه بهذه التوسعة التي ذكرتها «المجلة».

و هذه أيضا من المسائل التي لم يحسن تحريرها لا فقهاؤنا و لا فقهاء

ص: 124

الجمهور فبقيت مقنعة بقناع الإبهام و التخليط و منشأ الوهم عندنا انه ورد عدة اخبار عن أهل البيت سلام اللّٰه عليهم ان المتهم و الظنين لا تقبل شهادته مثل خبر ابن سنان قلت لأبي عبد اللّٰه اى الصادق عليه السّلام ما يرد من الشهود قال الظنين و المتهم قلت فالفاسق و الخائن قال كل هذا يدخل في الظنين، و بهذا البيان عدة اخبار فجعلوا ارتفاع التهمة شرطا مستقلا غير العدالة مع ان المتدبر في تلك الاخبار يجدها صريحة في ان المتهم هو الفاسق أو أعم منه و خلاصة ما تستفاد منها ان الظنين ترد شهادته و المراد بالظنين هو الذي يظن به السوء اما لظهور فسقه و خيانته أو لأنه غير محرز العدالة و هو مجهول الحال و لا يظن الخير فيه فليس المقصود منه الا بيان شرطية العدالة لا شرط آخر في قبالها فكان اللازم حسب متانة التحرير و حسن البيان ان يقال: ان العدالة شرط قبول الشاهد فلا تقبل شهادة الفاسق و هو مرتكب الكبائر المعروفة و لا الخائن و لا مجهول الحال المتهم بجر مغنم أو دفع مغرم بشهادته، و هذا هو مفاد تلك الطائفة من الاخبار، اما عدم قبول شهادة الشريك لشريكه فإنها ان كانت في المال المشترك العائد له و لشريكه فعدم قبولها لأنها من قبيل شهادة الإنسان لنفسه و هي باطلة قطعا و التبعيض غير صحيح أو غير ممكن و ان كان في مال آخر يختص بالشريك فهي مقبولة مع استجماع الشرائط من عدالة و غيرها و يلحق به شهادة الوكيل لموكله لان الوكيل كالاصيل، و مثله الوصي على مال لموصيه أو القيم على مال لليتيم و انما ترد شهادة هؤلاء بناء على انهم

ص: 125

فرع بمنزلة الأصل و ان كان فيه للمناقشة مجال خصوصا في الوصي و القيم و منه أيضا شهادة أحد العاقلة بجرح شهود الجناية فإنه يدفع عن نفسه ضررا فهو من قبيل شهادة المرء لنفسه و شهود بعض القافلة على قاطع الطريق عليهم أو اللصوص الناهبين لأموالهم إلا إذا كان ممن لم يؤخذ منه شي ء فهؤلاء لا تقبل شهادتهم و ان كانوا عدولا لاتحاد الشاهد و المشهود له و لو بالضميمة،،، أما النسب فغير قادح أصلا في الشهادة بعد إحراز العدالة و كذلك السبب فتقبل شهادة الزوج لزوجته و عليها كالعكس كما تقبل شهادة الأرحام بعضهم لبعض مطلقا حتى الأب على ولده و له اما شهادة الولد على أبيه فقد اختلف فيها أصحابنا فطائفة ذهبت الى القبول على العموم و اخرى إلى عدمه لأخبار خاصة تدل على ذلك، ففي بعض الاخبار لا تقبل شهادة الولد على والده و لعل أكثر أصحابنا على هذا، و لكن ذلك الخبر معارض مضافا الى العمومات بأخبار أقوى منه سندا و أكثر عددا، ففي خبر داود بن الحصين انه سمع الصادق سلام اللّٰه عليه يقول: أقيموا الشهادة على الوالدين و الولد و لا تقيموها على الأخ في الدين بالضر قلت و ما الضر قال إذا تعدى صاحب الحق خلاف ما أمر اللّٰه و رسوله و مثل ذلك ان يكون لرجل على آخر دين و هو معسر و قد أمر اللّٰه بإنظاره حتى يتيسر قال فنظرة الى ميسرة و يسألك أن تقيم الشهادة و أنت تعرفه بالعسر فلا يحل لك ان تقيم الشهادة، و مثله خبر ابن سويد أقم الشهادة و لو على نفسك أو الوالدين و الأقربين فإن خفت على أخيك ضيما فلا، و فوق

ص: 126

هذا كله قوله تعالى كُونُوا قَوّٰامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدٰاءَ لِلّٰهِ وَ لَوْ عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوٰالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ، و مناقشات صاحب الجواهر «ره» في هذه الوجوه ضعيفة ليست بشي ء، نعم ان كان شي ء يتأبد به خبر عدم القبول- فهو الوجه الاعتباري و هو ان شهادة الولد على أبيه توجب حزازة في نفس الأب و قد تنجر إلى النفرة الموجبة لانحلال النظام العائلي و حدوث الفتن و المفاسد و كل ذلك مما يعلم حرص الشارع الحكيم على عدم وقوعه، و من المعلوم ان الشهادة انما يجب أداؤها حيث لا يستلزم ضررا على الشاهد و حيث ان الغالب في شهادة الولد على أبيه هو ترتب شي ء من الإضرار و المفاسد و لا سيما مع حاجة الولد لأبيه في الغالب فلعل الشارع منع تلك الشهادة درء لتلك المفاسد و يكون كتخصيص عقلي و شرعي لعموم الآية و الروايات فتدبره جيدا و لا تتسرع إلى المناقشة فيه قبل تدبره، و مما ذكرنا ظهر لك ان جميع الأنواع التي ذكرتها المجلة في هذه المادة و حكمت بعدم قبول شهادتهم- هم مقبولو الشهادة عندنا مع عدالتهم حتى شهادة الصديق لصديقه مهما بلغت الصداقة بينهما لا كما في مادة (1701) من عدم قبولها إذا وصلت صداقتهما إلى مرتبة تصرف أحدهما في مال الآخر،،، نعم لا تقبل الشهادة كما عرفت حيث تكون من قبيل شهادة الإنسان لنفسه أو الفرع لأصله الموجب لاتحاد الشاهد و المشهود له حقيقة أو حكما و يكون شاهدا و مدعيا كما في مادة «1703»

ص: 127

و مادة «1704»،،، اما- ما ذكره في هذه المادة من عدم صحة شهادة الحاكم المنفصل عن بلدة على الحكم الصادر منه قبل العزل و اما إذا شهد بعد العزل على إقرار من أقر في حضوره قبل العزل فتعتبر شهادته- فلعل وجهه ان الشهادة في الصورة الأولى شهادة لنفسه أو إقرار منه و في الصورة الثانية شهادة على فعل الغير و إقراره فيقبل و أنت خبير بان اعتراف الحاكم بحكمه لا تنطبق عليه أوصاف الشهادة و شروطها و لا صفات الإقرار و انما هو اخبار صرف عن أمر وقع منه فلا خصومة حتى يكون شهادة و لا يلزمه بذلك حق حتى يكون إقرارا فتدبره.

بقي في المقام شي ء و هو قضية العداوة المذكورة في مادة (1702) يشترط ان لا يكون بين الشاهد و المشهود عليه عداوة دنيوية

و تعرف العداوة الدنيوية بالعرف،،، و ذكرها أيضا جماعة من أصحابنا في جملة شروط الشاهد و ذكروا أن العداوة الدينية لا تقدح فالمسلم تقبل شهادته على غيره و غيره لا تقبل شهادته لأن الإسلام شرط عام في الشاهد. اما العداوة الدنيوية فذكروا في ضابطتها- ان يعلم من حال أحدهما سروره بمساءة الآخر و مساءته بسروره أو يكون قد وقع بينهما تقاذف، و غير خفي أن سرور الرجل بمساءة الآخر و بالعكس دليل على البغضاء و الشحناء الكاشف عن الحقد و الحسد بينهما و هو من أكبر الكبائر و أعظم المحرمات التي تطاردها الشريعة الإسلامية بكل حول و قوة فأين تكون العدالة حينئذ؟ اما .. تقييد بعضهم بأنها حيث

ص: 128

لا تنافي العدالة فهو افتراض محض لا حقيقة له في التحصل و الخارج و على كل فالركن الأعظم و الشرط الأهم في الشاهد هو العدالة المذكورة في مادة «1705» يشترط في الشاهد ان يكون عادلا الى آخرها و كان حق هذا الشرط تقديمه على سائر الشروط و لكن المهم في المقام تعريف العدالة فقد اختلف في حقيقتها و التعريف عنها فقهاؤنا أشد الاختلاف و ألقوا فيها بالخصوص رسائل مستقلة فبين قائل انها ملكة نفسانية تمنع من ارتكاب الكبائر و الإصرار على الصغائر، و هذا هو تعريفها المعروف و ينكشف ذلك بطول المعاشرة و المزاولة معه فيستدل عليها بآثارها كما يستدل على سائر الملكيات النفسانية من الشجاعة و الكرم و أضدادها بآثارها، و لما كان الوقوف على ذلك من أشق الأمور و أصعبها عدل عنه آخرون و عرفوها بحسن الظاهر يعني ان لا تجده قد ارتكب المعصية في وقت اي يكون متسترا ظاهر الصلاح سواء كانت عنده تلك الملكة النفسانية أم لا، اما (المجلة) فقد جاءتنا بتعريف غريب لا يتحصل الا للباري جل شأنه و ملائكته المقربين و هو ان تكون حسناته غالبة على سيئاته و لا يخفى ان هذا لا ينكشف تماما الا يوم القيامة يوم تنصب الموازين و تنشر الدواوين و يقوم الناس للحساب بين يدي رب العالمين،،، و الا فأي شخص يستطيع أن يحصى إعمال الآخر و يميز بين حسناته و سيئاته و يزنها وزنا صحيحا فيعرف أنها متساوية أو إحداهما تزيد على الأخرى، «هذا أولا» و «ثانيا» ان التفريع المذكور

ص: 129

في المجلة لا ينطبق على هذا التعريف حيث قالت: بناء عليه لا تقبل شهادة من اعتاد حالا و حركة تخل بالناموس و المروة كالرقاص و المسخرة و لا تقبل شهادة المعروفين بالكذب،،، و بهذه الأمثلة قد خرجت القضية عن مسألة الحسنات و السيئات و صار الناس كلهم عدولا الا افرادا معدودة و هم الرقاصون و المضحكون و المعروفون بالكذب فأين الحسنات و السيئات إذا و ربما أرادوا بهذا جعل الضابطة حسن الظاهر فقصرت عبارتهم أو عربيتهم عن ذلك، و يظهر الفرق في مجهول الحال، فإنه عادل بمقتضى التفريع و ليس بعادل على حسن، الظاهر و هنا يجي ء حديث الواسطة و هل هما ضدان وجوديان أو نقيضان يتقابلان بالسلب و الإيجاب و الأول أرجح أو أصح، و خلاصة التحقيق عندنا ان فقهاء الفريقين رضوان اللّٰه عليهم لو تركوا الخوض في هذه المواضيع الى العرف فهو اعرف بها و أوصل إليها من تعاريفهم الفنية و صناعاتهم العلمية التي تبعد الطريق إلى معرفة هذه الموضوعات الا ترى ان العرف في كل بلد اعني أهالي كل بلدة يعرفون أهل الصلاح فيهم و التقوى كما يعرفون الفسقة الفجرة المتجاهرين بالمعاصي نعم يبقى في البين مجهولو الحال فيلزم الحاكم البحث عن حالهم بشهود التزكية و التعريف حتى يحصل له الاطمئنان بأنه رجل صادق اللهجة لا يتعمد ارتكاب المعصية و لا يتهاون بحرمات اللّٰه عز شأنه و على كل فان بعض الفقهاء في باب العدالة قد ضيقوا واسعا ففي كثير من الأحاديث النبوية و اخبار

ص: 130

أئمتنا صلوات اللّٰه عليهم جميعا ما معناه أو لفظه تقريبا: من حدثكم فلم يكذبكم و وعدكم فلم يخلفكم و عاملكم فلم يظلمكم و ائتمنتموه فلم يخنكم فقد ظهرت مروته و حرمت غيبته و وجبت عدالته، و في هذا القدر من البحث في العدالة كفاية نسأله تعالى ان يجعلنا و حكامنا من أهل العدل و العدالة فإن عدالة الحكام و الوكلاء أهم من عدالة الشهود، و هي اليوم فيهم أو في العموم على أوسع معانيها أعز من الإكسير، و لا يحصل القليل منها في الكثير، و لا حول و لا قوة إلا باللّه

الفصل الرابع في (موافقة الشهادة للدعوى)

مادة (1706) تقبل الشهادة ان وافقت الدعوى و الا فلا،،، هذا مما لا ريب فيه، و لكن ربما يأتي المناقشة في بعض الأمثلة المذكورة هنا كالمثال الأخير فإن المديون إذا ادعى انه قد ادعى الدين و شهد الشهود أن الدائن قد أبرأه فقد اختلفت الشهادة عن الدعوى ضرورة أن الأداء غير الإبراء (و بالجملة) اللازم مطابقة الشهادة للدعوى تماما نعم لا يضر اختلاف التعبير مع وحدة المفاد و وضوح الحال كما

ص: 131

لو ادعى ان الدار لي و شهد الشهود انها ملكه أو ادعى ان هذه دابتي اغتصبها فلان و شهد الشهود أنه أخذها منه قهرا و هكذا، اما لو اختلف الموضوع في الشهادة و الدعوى و لو بالعموم و الخصوص و القلة و الكثيرة ففي قبولها مجال للتأمل، و منه يظهر وجه الإشكال في مادة (1707) فإن الاختلاف بالسنة و السنتين و الالف و الخمسمائة ليس اختلافا في التعبير فقط بل اختلاف في الموضوع فتدبره.

و لعل هذا الاختلاف لا يقدح في بعض ظروف الدعوى و تشخيص ذلك منوط بنظر الحاكم الذكي و على هذا الأساس يبتنى ما في مادة [1708] من كون الدعوى أقل مما شهدت به الشهود فان تشخيص المقبول من المردود و إمكان التوفيق و عدمه كله منوط الى لباقة الحاكم و لوذعيته أو تخلص المدعي أو وكيله من ورطة الاختلاف و مثله الكلام في اختلاف الشهادة و الدعوى بالإطلاق و التقييد المذكور في مادة «1709» من دعوى المدعي الملك المطلق و شهادة الشهود الملك المقيد و لا يجب على الحاكم السؤال عن السبب و لو سأل فاختلف و قال ملكته بسبب آخر غير ما ذكرته الشهود أمكن الصحة في مقام كما يمكن الرد في آخر و هو أيضا موكول الى بعد نظر الحاكم و دقته و لذا كان القضاء من أصعب الأشياء (و القاضي على شفا) و مما ذكرنا يظهر أيضا وضوح المناقشة في مادة (1710) التي خلاصتها ان المدعي إذا ادعى الملك المقيد و شهدت الشهود بالمطلق تقبل شهادتهم، و لكن لو صرح البائع بقوله اشتريته من فلان و شهد

ص: 132

الشهود على الملك المطلق فلا تقبل شهادتهم، فإن الأصح القبول و ما ذكروه من التعليل لعدم القبول عليل إلى الغاية ضرورة أن مصب الدعوى تختلف فتارة يكون الموضوع ملك البستان و عدمه من غير نظر الى قضية المنافع و الزوائد أصلا، فهذا لا يضر فيه قضية تقدم التاريخ و عدمه أو الإطلاق و التقييد من هذه الجهة نعم لو كان مصب الدعوى هو النماء اى نماء السنة السابقة أو السنتين فالمشتري يدعي تقدم البيع ليكون نماء تلك السنة له و البائع يدعي تأخره كي يكون له و هنا لو اختلفت الشهادة عن الدعوى بالإطلاق و التقييد لم تقبل و لم تنفع فتدبره جيدا، نعم ما في مادة «1711» من الاختلاف في السبب قادح قطعا لاختلاف الموضوع بين الشهادة و الدعوى بالتباين.

الفصل الخامس في (بيان اختلاف الشهود)

كما يلزم اتفاق الشهادة و مطابقتها للدعوى كذلك يلزم اتفاق شهادة الشهود في أنفسهم بالنسبة إلى شهادتهم فلو اختلفوا فشهد أحدهم بألف من الذهب و الآخر بألف من الفضة لم تقبل كما في مادة

ص: 133

(1713) أو اختلفا في نوع المشهود به أو مقداره أو وصف من أوصافه المحسوسة كاللون لم تقبل أيضا كما في مادة «1714» و مادة «1715» المتضمنتين اختلافهما في اللون أو المقدار، أما- مادة «1713» المطولة فليس لها حقيقة محصلة، فان الفعل و القول سواء في إمكان أن يكررا، و كما لا معنى لتكرير الفعل كأداء الدين الواحد و الغصب و نحوه فكذلك لا معنى لتكرير بيع الشي ء الواحد مرة في الدار و اخرى في الحانوت، فالأصح ان كل هذه الاختلافات سواء في الفعل أو القول قادحة في الشهادة و لا يتم النصاب بالشاهدين المختلفين في خصوصيات الشهادة إلا ما يعود الى اختلاف التعبير أو الإطلاق و التقييد كما لو شهد انه باع و شهد الآخر انه باع في الحانوت اما الخصوصيات المتباينة فلا تقبل معها الشهادة مطلقا الا إذا حصل للحاكم اليقين بالوحدة من بعض قرائن الأحوال التي لا تنضبط بضابطة و ليس لها قاعدة عامة.

ص: 134

الفصل السادس في (تزكية الشهود)

مادة «1716» إذا شهدت الشهود و سأل الحاكم المشهود عليه بقوله ما تقول في شهادة هذين أ هما صادقان أم لا

- الى آخرها.

تحرير هذا البحث كما يحق له و يستوفي عامة نواحيه. ان البينة إذا شهدت عند الحاكم فاما ان يكون عالما بعد التهما أو عالما بفسقهما أو مجهولي الحال عنده فان كان عالما عمل بمقتضى علمه قبولا أو ردا و لا حاجة الى السؤال و المراجعة لأنه مكلف بالعمل بعلمه نعم لو كان مستند علمه الاستصحاب فللمدعي أو المدعى عليه ان يراجع الحاكم في إثبات تبدل الحال السابق من فسق إلى عدالة أو من عدالة إلى فسق فيطلب الحاكم البينة على ذلك و ان كان جاهلا بحالهما سأل من المدعى عليه فان اعترف بصدقهما فهو إقرار بتعبير آخر و ان اعترف بعدالتهما فقط فهو أيضا كالاعتراف اما لو اعترف بعدالتهما و ادعى انهما أخطئا أو نسيا فإن أثبت ذلك أبطلها الحاكم و الا أمضاها، و ان قال هما شاهدا زور طلب من المدعي تزكيتهما فان زكاهما كان على

ص: 135

الحاكم ان يعرف المدعى عليه ان له حق الجرح فان جاء بينة على الجرح تقدمت على بينة التعديل على المشهور لان الجارح يقول اعلم و المعدل يقول لا اعلم و أنت خبير بان هذا غير مطرد فان المعدل قد يشهد أيضا بالإيجاب و نفي ما يقوله الجارح فلو قال الجارح رأيته يشرب الخمرة بالأمس في المحل الفلاني و المعدل يقول انه في هذا الوقت كان عندي و في بيتي، و الحاصل لا طائل في هذا البحث أصلا فإنه يختلف باختلاف الخصوصيات الزمانية و المكانية و الأشخاص و غير ذلك فإرجاعه إلى نظر الحاكم ان كان من أهل النظر أصح و أصلح،،، اما طريقة التزكية فهي كما في مادة «1717».

تزكى الشهود من الجانب الذي ينسبون إليه يعني ان كانوا من طلبة العلوم يزكون من مدرس المدرسة و من معتمد أهاليها إلى آخرها لعل الأصل في هذا ما روي في بعض الاخبار من ان النبي صلى اللّٰه عليه و آله كان إذا شهد عنده شاهد يرسل شخصين لا يعلم أحدهما بالآخر يسألان قبيلتهما عن حالهما فان جاءا بمدح و ثناء حكم و ان جاءا بشين ستر عليهما و دعا الخصمين الى الصلح و ان لم يكن لهما قبيلة سأل الخصم عن الشاهدين فان زكاهما حكم و إلا طرحهما،، و من المعلوم ان سؤال القبيلة و مدرس المدرسة و معتبري التجار و نحو ذلك انما هو من جهة انه هو الطريق المتعارف و لأنهم هم المطلعون على حاله في الغالب لا ان طريق التزكية منحصر فيه كيف و قد يتفق بل كثيرا ما يتفق ان يكون للشاهد أصدقاء مختصون به لازموه في

ص: 136

سفر أو حضر فاطلعوا على دخيلة أمره، و خفي سره، بما لم يطلع عليه مدرسة و لا قبيلته، و بالجملة فهذا أمر موكول الى المدعي و هو الملزوم بإثبات تزكيته بأي نحو كان، و اللازم عندنا تزكيته مطلقا سواء كانت في السر أو العلن نعم تزكية السر اولى صيانة عن هتك الذمة و أوقع في براءة المزكي من المراعاة لحالة الخجل و الحياء فاللازم الاكتفاء اما تطلبهما معا فهو لمزيد الاحتياط و التوثق و لو كانت لازمة فهي موكولة إلى نظر الحاكم فله أو عليه ان يتحرى أحد الطرق الموصلة إلى حصول الثقة بهما سواء كان بالنحو المذكور في مادة «1718» من الورقة المستورة أو غيرها و كلما ذكر في هذه المادة و ما بعدها ليس فيه أمر محتم لازم و لا شي ء منصوص عليه و انما هي أمور غالبة و طرق متعارفة فقد يرى الحاكم أو المدعي في إثبات التزكية أو المدعى عليه في إثبات الجرح طريقا غير هذه الأوضاع المحررة في هذه المواد فلا داعي لإطالة البحث فيها، نعم ما في مادة «1724» لا يشتغل الحاكم بتزكية الشهود الثابتة عدالتهم في ضمن خصوص عنده الى آخرها.

و محصلها ان الحاكم إذا ثبت عنده عدالة شاهدين ثم شهدا عنده بأمر مخصوص غير ذلك المورد فلا حاجة الى تزكية ثانية إلى ستة أشهر و يحتاج إليها بعد المدة المزبورة، و لكنك خبير بأنه لا حاجة الى التزكية الجديدة عنده مطلقا لمكان الاستصحاب نعم للمدعى عليه حق الجرح و إثبات عروض الفسق إذا ادعاه و هذا أمر آخر غير

ص: 137

قضية التزكية، نعم لو رفعت خصومة إلى حاكم آخر و شهد أحدهم عنده و هو لا يعرفه احتاج الى تعديله، و كل هذا واضح كوضوح مادة (1724) إذا طعن المشهود عليه قبل التزكية أو بعدها الى آخرها.

مادة «1725» إذا عدل بعض المزكين الشهود و جرحهم بعض لم يحكم الحاكم بشهادة أولئك الشهود لانه يرجح طرف الجرح.

مرت الإشارة الى ان المشهور ان الجرح مقدم على التعديل لأن التزكية ترجع الى اني لا ادري و الجرح يرجع الى أنه يدري و من يعلم حجة على من لا يعلم و قد عرفت المناقشة فيه و انه على إطلاقه غير مسلم.

مادة «1726» إذا مات الشهود أو غابوا بعد أداء الشهادة في المعاملات فللحاكم ان يزكيهم و يحكم بشهادتهم.

لعل وجهه استصحاب وجوب العمل بشهادتهما و هو في صورة موتهما لا يخلو من نظر و الإطلاقات منصرفة عن الأموات، و لكن أصحابنا أرسلوا هذا الحكم إرسال المسلمات ففي (الشرائع) ما نصه:

لو شهدا و لم يحكم بهما فماتا حكم بهما و كذا لو شهدا ثم زكيا بعد الموت و كذا قال رحمه اللّٰه فيما لو شهدا عادلين ثم فسقا قبل الحكم فإن العبرة بعد التهما حال الشهادة لا حال الحكم.

ص: 138

تذنيب في (تحليف الشهود)

مادة «1727» إذا ألح المشهود عليه على الحاكم بتحليف الشهود بأنهم لم يكونوا كاذبين و كان هناك لزوم لتقوية الشهادة باليمين فللحاكم ان يحلف الشهود و له ان يقول لهم ان حلفتم قبلت شهادتكم و الا فلا.

هذا الحكم استحساني جزافي و الشاهد لا يمين عليه أصلا فإنه اما ان يكون عادلا فعدالته كافية في حصانته و مناعته عن تطرق الكذب، و اما ان يكون فاسقا و الفاسق كما لا يتحرج عن الكذب لا يتحرج عن اليمين الكاذبة و اما ان يكون مجهول الحال فهو غير مقبول الشهادة أصلا، فأين موضع فائدة اليمين؟ فليتدبر.

ص: 139

الفصل السابع في (رجوع الشهود عن الشهادة)

تحرير هذا البحث ان الرجوع عن الشهادة اما قبل الحكم أو بعده قبل الاجراء أو بعده و بعد الاجراء و التنفيذ، ثم الحكم في صورة الرجوع اما ان يكون متعلقا بمال أو نكاح أو طلاق أو حد أو دية أو قصاص في نفس أو طرف، فان كان الرجوع قبل الحكم سقطت الشهادة و لا سبيل للحكم لأن الشهادة قتلت نفسها و لا يدري أ صدقوا في الأولى أو الثانية، و هو المصرح به في مادة (1728) إلى قوله و يعزرون و التعزير هنا غير معلوم الوجوب نعم لو كان فيها قذف كشهود الجرح أقيم عليهم الحد، و ان كان الرجوع بعد الحكم قبل الاجراء، و كان المتعلق مالا أو نكاحا و طلاقا نفذ الحكم و غرما المال و ان كان قصاصا أو حدا سقط لان الحدود تدرأ بالشبهات و الرجوع يوجب الشبهة قطعا، و يعزر الشاهد أو يحد طبعا، و الى بعض هذه النواحي أشارت (المجلة) مادة «1729» و التي أحالت عليها و هي مادة (80) فقد أشارت الى

ص: 140

عدم نقض الحكم و هذا انما هو في المال فقط إجماعا و في الطلاق و النكاح على الأشهر، اما في الحدود و القصاص فلا نفوذ إجماعا أيضا اما لو كان الرجوع بعد الحكم و الاجراء فإن كان المحكوم به مالا فالغرامة بلا اشكال عينا أو دينا، و ان كان نكاحا أو طلاقا نفذ فلو شهدا ان زيدا طلق زوجته و حكم الحاكم و تزوجت نفذ فان كان بعد دخول الأول بها فلا غرامة لأن المهر قد استقر بالدخول و ان كان قبل الدخول غرم للأول نصف المهر الذي دفعه للزوجة، و قيل بل يبطل الثاني و تعود إلى الأول و يغرم الشاهدان برجوعهما ما دفعه الثاني من مهر و غيره و هو قوى، و ان كان قصاصا أو حدا و رجعا بعد استيفائه فإن قالا تعمدنا اقتص منهما ان رجعا معا و يرد الفاضل كما لو اشتركا في قتله و ان كان الراجع واحدا اقتص منه و يرد الفاضل إلى أوليائه و ان قالا أخطأنا يؤخذ منهما الدية و من أحدهما النصف و لو كانوا ثلاثة فمن كل واحد الثلث و هكذا لو شهدوا بالزنا و رجم المحكوم ثم رجعوا فان كان عمدا تخير بين قتلهم و رد فاضل الدية و ان كانوا فالدية و ان اختلفوا في الإقرار بالعمد و الخطأ جرى على كل حكمه،،، و مما ذكرنا يظهر لك ان الأصح فيما لو زاد الشهود على النصاب اشتراكهم في الغرامة لو رجعوا أو رجع أحدهم خلافا لمادة (1730) إذا رجع بعض الشهود على الوجه المذكور أيضا فإن كان باقيهم بالغين نصاب الشهادة إلى آخرها،،، فان الحكم فعلا قد استند إليهم اجمع و ان كان الحق يثبت بما دونهم.

ص: 141

الفصل الثامن في (التواتر)

مادة «1732» لا اعتبار لكثرة الشهود يعني لا يلزم ترجيح شهود الطرفين لكثرتهم بالنسبة إلى شهود الطرف الآخر الا ان تكون كثرتهم بلغت درجة التواتر،، التواتر الذي هو عبارة عن اخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب عادة مفيد للعلم بالضرورة و بعد العلم لا موضع للشهادة مهما كثر الشهود كما في مادة (1733) إذ الظن لا يزاحم العلم بل لا يعقل حصول الظن بما يخالف العلم بل الظن الشخصي لا يعقل مزاحمته لظن آخر بخلافه نعم الظنيان يتعارضان كما في تعرض البينتين و نحوه و قد يكون من بعض المرجحات الترجيح بالكثرة كما لعله يأتي قريبا إن شاء اللّٰه. و باقي مواد هذا الفصل اتضحت مما ذكرنا.

ص: 142

الباب الثاني في (الحجج الخطية و القرينة القاطعة

اشارة

و فيه فصلان)

الفصل الأول في (الحجة الخطية)

ملاك هذا الفصل حصول العلم و اليقين فان حصل القطع من الخط أو من دفاتر الحكومة لزم العمل بها و الا فلا. و منه يعلم حكم-

الفصل الثاني (القرينة القاطعة)

فان القرينة إذا أفادت العلم و اليقين فهو الحجة و الا فلا اثر لها و خروج شخص من الدار مدهوشا و بيده سكين ملوثة بالدم و وجد

ص: 143

في الدار شخص مذبوح في الوقت كل ذلك لا يفيد اليقين بأنه القاتل و انما هو الظن و العلم البدوي لا المستقر و الا فكثيرا ما تأتي الصدف بالغرائب و العجائب و على كل حال فما ذكره من المثال لا يجوز فيه المبادرة إلى الحكم بكونه قاتلا كما يظهر من «المجلة» و لا إهماله و إرساله فيطل دم المسلم بل يلزم توقيفه مع مزيد التحري و التحقيق حتى تنجلي الحقيقة و ليس هذا من العبرة بالوهم كما في مادة «74» بل الأخذ بالورع و الاحتياط في قضية الدماء فليتدبر.

الباب الثالث في (بيان التحليف)

مادة «1743» أحد أسباب الحكم اليمين أو النكول عنه الى آخرها.

سند هذا النبوي المشهور إنما أقضي بينكم بالبينات و الايمان و أحاديث أخرى قريبة منه مما يدل على ان فصل الخصومات اما بالبينة من المدعي أو اليمين من المنكر اما قول المجلة هنا: و لكن إذا ادعى أحد على آخر بقوله أنت وكيل فلان و أنكر الوكالة فلا يلزم تحليفه

ص: 144

فلا ربط له بالمقام ضرورة ان أصل الدعوى هنا غير مسموعة لأنها لا تلزم حقا للمدعي على المدعى عليه و قد سبق ان هذا أهم الشروط في سماع الدعوى و من هنا يتضح عدم صحة ما ذكروه في المثال الثاني و هو ما إذا ادعى شخصان مالا في يد آخر بان كلا منهما قد اشتراه و أقر المدعى عليه بأنه باعه لأحدهما و أنكر دعوى الآخر فلا يتوجه عليه اليمين، فان عدم توجه اليمين هنا ممنوع و ليست هي إلا كدعوى شخص على آخر انه قد اشترى ماله الذي بيده و أنكره صاحب اليد و ليس للمدعي بينة أ فلا يلزمه اليمين؟ و هكذا لو ادعى اثنان و اعترف لواحد و أنكر الآخر فان لمن أنكره ان يطالبه ضرورة أنه يدعيه بحق لازم و هو تملك العين المخصوصة فاللازم ان يدفعه بحجة شرعية و ليس الا اليمين و كذا الاستيجار و الارتهان و أمثالها.

مادة «1743» إذا قصد تحليف أحد الخصمين يحلف باللّه تعالى بقوله و اللّٰه و باللّه مرة واحدة،

لعل من المتفق عليه في جميع مذاهب المسلمين ان اليمين بغير اللّٰه عز شأنه لا اثر له فلا تنحسم به خصومة و لا تجب فيه كفارة بل هو فوق ذلك محرم ذاتا عند جمع من الفقهاء و هو ظاهر جملة من الاخبار التي تنهى عن الحلف بغير اللّٰه بل المنع من الحلف بغيره [اما ان تحلف باللّه و الا فدع] كما لا إشكال في كفاية المرة الواحدة نعم قد يترجح في نظر الحاكم في بعض الخصومات تغليظ اليمين زمانا أو مكانا أو ألفاظا بصيغة مخصوصة فيها تهويل على المنكر

ص: 145

عساه يعترف بالحق تفاديا من تلك اليمين كما ان له تحليف اليهود و النصارى بتوراتهم و انجيلهم و مقدساتهم و كنائسهم و نحو ذلك.

مادة «1745» تجري النيابة في التحليف و لكن لا تجري في اليمين.

تقدم في باب الوكالة ان اليمين و النذر و العهد من الأمور التي لا يتحقق فيه الوكالة فلا يصح ان يوكل وكيلا في استماع الدعوى عنه أو الحكم عوضا منه نعم له ان يوكل في التحليف وكيلا عنه فيحلف المنكر بحضوره و يبلغ الحاكم بذلك حتى يحكم إذا تمت بقية الموازين و لكن ليس للحاكم ان يحلف الا بطلب المدعي تحليف خصمه لانه حق له نعم له التحليف بغير طلب في موارد ذكرت (المجلة) أنها أربعة.

مادة «1746» الأول. اليمين المعروفة بيمين الاستظهار

و هي الدعوى على الميت بدين إذا أثبته المدعي بشهود و يلزم الحاكم تحليف المدعي الذي أقام البينة انه لم يستوف ذلك الحق بنفسه أو بوكيله من الميت و لا أبرأه و لا احاله و لا رهن عليه (الثاني) إذا ظهر لمال مستحق و اثبت دعواه حلفه الحاكم على انه لم يبع هذا المال و لم يهبه لأحد (الثالث) إذا أراد المشتري رد المبيع لعيبه حلفه الحاكم انه لم يرض بالعيب قولا أو دلالة بتصرف كتصرف الملاك (الرابع) تحليف الحاكم الشفيع عند الحكم بالشفعة بأنه لم يسقط حق شفعته بوجه من الوجوه، هذا ما ذكرته (المجلة) من الموارد التي

ص: 146

يصح أو يلزم على الحاكم التحليف من دون طلب أحد و لكن لا صحة لشي ء منها عند الإمامية و لا يلزم اليمين في شي ء من هذه الموارد الا اليمين الاستظهارية في الدعوى على الميت بدين أو عين للنص الخاص و ربما يتسرى الحكم بتنقيح المناط أو منصوص العلة الى كل من هو كالميت كالدعوى على الطفل أو المجنون أو الغائب غيبة منقطعة على تأمل في الشمول أيضا و هل يسرى وجوب ضم اليمين الى المدعي على الميت إذا كان هو أحد الورثة و الى المدعي إذا كان وصيا أو قيما على الصغير و هل تجب حتى مع العلم بعدم الوفاء و الإبراء أو حتى مع شهادة البينة ببقاء الدين الى موته و هل تجب يمين ثانية في مورد ثبوت الحق بالشاهد و اليمين و هل تقبل الإسقاط أم لا و هل تجب مع إقرار الميت و هل تجب مع دعوى الوصية العهدية أو التمليكية بعد إقامة البينة أم لا،،، كل هذه مسائل معضلة و مباحث مشكلة لم تتعرض المجلة لشي ء منها مع اهميتها، اما المواضع الثلاثة المذكورة في هذه المادة فلا نص و لا قاعدة تقتضي لزوم اليمين فيها و لا سيما في الموضع الثاني الذي أثبت المدعي دعواه فما وجه لزوم اليمين عليه بعد الإثبات؟

و انما اليمين حسب القاعدة العامة على المنكر لا على المدعي الا ما خرج بالنص و مثله الموضعان فان الرد بالعيب حق للمشتري و إذا ادعى البائع رضاه بالعيب فعليه الإثبات و ان عجز كان له طلب اليمين لا للحاكم على حد سائر الخصومات و كذلك الشفيع له حق الشفعة فإذا ادعى المشتري انه أسقط حقه لم يقبل منه الا بإثبات ذلك فإذا تكونت بينهما

ص: 147

خصومة كان حالها حال سائر الخصومات و لا شي ء هنا مخالف للقواعد العامة كما في يمين الاستظهار فتدبرها جيدا.

مادة «1747» إذا حلف المدعى عليه بطلب الخصم قبل ان يكلفه الحاكم فلا تعتبر يمينه،،،

حق اليمين كما عرفت للمدعى و لكن بشرط ان يطلب من الحاكم تحليف المدعى عليه فلو حلفه مباشرة لم تكن اليمين حاسمة للدعوى الا ان يجري بينهما عقد صلح على ان يسقط المدعي دعواه بيمين المدعى عليه فتسقط الدعوى و تكون اليمين حاسمة قهرا،،، ثم ان من احكام اليمين انها لا تجوز الا على المعلوم المتيقن فان كان المحلوف عليه من فعله أو تركه امكنه اليمين لانه معلوم له لو كان من فعل غيره فان كان معلوما له جاز الحلف عليه أيضا و إذا لم يكن معلوما فلا يسوغ الحلف الا على عدم العلم بذلك الفعل لا على عدمه واقعا، و مما ذكرنا يظهر لك القصور في مادة «1748» إذا حلف أحد على فعله الى آخرها.

مادة «1749» اليمين اما بالسبب أو بالحاصل،،،

هذا الاصطلاح و التقسيم لا اثر له و لا فائدة فيه نعم اليمين تارة تتعلق بالسبب مثل الحلف على وقوع عقد البيع أو الهبة و اخرى تتعلق بالنتيجة كالحلف على ان هذه الدار ملك زيد و لا شك ان هذه أقوى فلو تعارضتا كان نظير تعارض بينة السبب مع بينة النتيجة حيث تقدم الثانية على الاولى قطعا كما يأتي في محله إن شاء اللّٰه.

ص: 148

مادة «1750» إذا اجتمعت دعاوي مختلفة يكفي فيها يمين واحدة و لا يلزم التحليف لكل واحدة على حده،،،

عرفت ان اليمين حق المدعي فإذا تعددت دعاويه أو تعدد المدعون.

على شخص واحد فإن رضي أو رضوا جميعهم بيمين واحدة فهو و الا فلكل واحد ان يلزمه بيمين مستقلة كم له إلزامه عن كل دعوى بيمين

مادة «1752» إذا كلف الحاكم من توجه اليه اليمين- و نكل عنها صراحة إلى آخرها،،،

النكول يحصل بقوله لا احلف فيقال له:

رد اليمين على المدعي فان قال لا أرد أو سكت بلا عذر صارنا كلا و صح الحكم عليه.

لاحقة

مادة «1753» إذا قال المدعي ليس لي شاهد ثم أراد ان يأتي بشهود أو قال ليس شاهد سوى فلان و فلان ثم قال لي شهود أخر لا يقبل قوله.

انما لا يقبل إذا لم يبد وجها معقولا و عذرا مقبولا اما لو أبدى ذلك فاللازم القبول و هو واضح.

ص: 149

الباب الرابع في (بيان ترجيح البينات و التحالف

اشارة

و يشتمل على أربعة فصول)

الفصل الأول في (بيان التنازع بالأيدي)

مادة «1754» يلزم إثبات وضع اليد بالبينة في العقار المتنازع فيه و لا يحكم بتصادق الطرفين،،،، اعلم ان هذه المباحث اعني مباحث اختلاف الأيدي و تعارض البينات من أهم و أعضل مباحث القضاء، و مواد «المجلة» فيها مع أنها ناقصة بتراء غير مستوفية مشوشة غير منقحة و لا موضحة، و تحرير

ص: 150

هذه المشكلات بأسلوب جلي و مستوعب يستدعي «أولا» تمهيد مقدمة و هي ان اليد التي هي امارة على الملكية شرعا و عرفا- عبارة عن السلطنة و الاستيلاء على العين الخارجية و تعرف هذه السلطنة و الاستيلاء بآثارها و هي تختلف أشد الاختلاف باختلاف الأعيان و الأجناس و الزمان و المكان و الأوضاع فاليد على الدراهم اى السلطنة و الاستيلاء يحصل بوضعها في جيبه أو كيسه أو صندوقه أو محفظته و أمثالها و اليد على الدابة يحصل بركوبه عليها و وضعها في اصطبله و ندوده، و اليد على الدار بسكناه فيها و إيجارها و عمارتها، و اليد على العقار بزرعه و استغلال عائدة و هكذا كل شي ء بحسبه فان علم ذلك حكمنا بملكية صاحب اليد و صح لنا ان نشتري منه و لا يجوز لنا التصرف إلا باذنه و ان لم يعلم انه هو صاحب اليد كالدابة في الطريق أو الثوب الملقى فان ادعاه شخص و لم يعارضه آخر فهو محكوم بأنه له لقاعدة المدعي بلا معارض المستفادة من جملة من الاخبار و ان عارضه معارض فسيأتي حكمه في المقاصد، إذا تمهدت هذه المقدمة و عرفت معنى حقيقة اليد الدالة على الملكية- فاعلم انه لو تنازع اثنان أو أكثر في عين يدعي كل واحد منهم انها له فلا يخلو من اربع صور «الاولى» ان تكون في يدهما معا اي ان كل واحد منهما له الاستيلاء و هي تحت سلطتهما و تصرفهما معا كدار يسكنانها معا أو دابة في اصطبلهما و هكذا و النزاع في هذه الصورة يتصور على نوعين «الأول» ان يدعي أحدهما الاختصاص بها اجمع و الثاني ان يتعرف له بنصف منها و ان له

ص: 151

النصف الثاني فقط، و هذا من أوضح موارد المدعي و المنكر فان اتى مدعي الكل ببينة حكم له بالكل و لا فيحلف الثاني و تكون العين بينهما على المناصفة (الثاني) ان يدعي كل منهما الاختصاص بها اجمع و هذا القسم من المشكلات فقد يجعل من باب التداعي فاما ان تقوم البينة لأحدهما فيحكم له بالكل أو لا بينة لكل منهما فيتحالفان و تكون العين لهما بالمناصفة أو تكون لكل واحد منهما بينة فيتعارضان، ثم اما ان يتحالفا و تبقى العين لهما أيضا مناصفة أو تنصف بلا تحالف و الأول أصح و أحوط، و قد يجعل من باب المدعي و المنكر فإن أقام مدعي الكل البينة حكم له بالعين اجمع و الا حلف المعترف على ان النصف له و حكم له به و هذا هو الأقوى، و الضابط الفارق بين باب التداعي و باب المدعي و المنكر أن المتنازع عليه ان كان في يد أحدهما فهو المنكر و الآخر مدع و ان لم يكن في يد أحدهما أو لا يد عليه فهو باب التداعي و التحالف و تظهر الثمرة في عدم لزوم حلف مدعي الكل و تقديم بينته مع التعارض على القول بتقديم بينة الخارج (الصورة الثانية) ان تكون في يد أحدهما فقط و الآخر يدعي الكل أو النصف و هذا أيضا باب المدعي و المنكر و حكمه واضح (الثالثة) ان لا يكون لأحدهما يد عليها بل هي في يد ثالث و لا يخلو اما ان يقر بان العين لهما أو مختصة بأحدهما المعين أو غير المعين أو يقربها لشخص ثالث أو يقول لا ادري، و في الاولى ان كان كل منهما يدعي الاختصاص و كانت لأحدهما بينة حكم له بالكل و ان لم يكن بينة أو كانت

ص: 152

لكل منهما فهو من باب التداعي اما على الكل أو على النصف ان كان أحدهما يدعيه فقط و حينئذ فللمدعي الكل تحليف صاحب اليد ثم يتحالفان و تكون العين لهما معا بالمناصفة كما لو كانت في يدهما معا.

(و في الثانية) يصير المقر له هو صاحب اليد و تجري بينه و بين الآخر أحكام المدعي و المنكر و مع عدم البينة له تحليفهما معا كما لو أقربها لشخص ثالث فيصير هو صاحب اليد و هما مدعيان عليه،،، اما لو أقر لواحد منهما غير معين أو قال لا ادري فلهما تحليفه على عدم العلم فان بينة منفردة حكم منفردة و الا تحالفا و تكون لهما بالمناصفة و هذا هو المورد الذي لا تثبت اليد فيه الا بالبينة اعني المورد الذي لا تعلم اليد فيه لأحدهما و لا يعترف بها صاحب اليد لواحد منهما أو لكليهما فيحتاج الحكم باليد إلى البينة أو اعتراف الخصم له بذلك من غير فرق بين العقار و غيره بل هو مطرد في جميع الخصومات على جميع الأعيان و لا يظهر وجه معقول للفرق بين تصادق الخصمين فلا يقبل و لا يصير الآخر صاحب اليد باعتراف خصمه له و بين ما لو قال له اشتريته منك أو غصبته مني ضرورة عدم الفرق بين الاعتراف بأنه صاحب اليد رأسا أو باللازم كما في المثالين فتدبره (الصورة الرابعة) ان لا تكون لأحدهما يد عليها و لا لغيرهما كالشاة في الفلاة و الشرب في الطريق و هذا أيضا من أوضح أمثلة باب التداعي فالبينة إن اختصت بأحدهما فهي له و الا فالتحالف و التنصيف، و مما ذكرنا ظهر تمام ما في مادة (1755)- مع القصور

ص: 153

عدم استيفاء جميع الصور فتدبرها.

الفصل الثاني في (ترجيح البينات)

اشارة

هذا هو المبحث الثاني من مهمات مباحث القضاء و تجري فيه الصور الأربع المتقدمة في المبحث السابق و من المعلوم اختلاف اللحاظين في المبحثين فان الملحوظ هناك إثبات صاحب اليد بالبينة و الملحوظ هنا إثبات الملكية بها فالبحث هناك عن إثبات الطريق و هاهنا عن إثبات غاية الطريق و ليس ثبوت اليد حاسما للدعوى بل لا بدّ من إثبات كونها يد ملك لا يد عدوان (و بالجملة) فالبحث عن الامارة غير البحث عن ذي الامارة، و حيث ان قضية تعارض البينات من مشكلات القضاء و أهم مباحثه فلا بد من تمهيد مقدمة أيضا تشتمل على أمرين مهمين.

(الأول) ان أصحابنا اختلفوا في ان الأصل و القاعدة في الحجتين المتعارضتين هل هو التساقط و الرجوع الى الأصول في موردهما أو الى حجة أخرى في موردهما ان كانت؟، أم القاعدة

ص: 154

تقتضي عدم السقوط عن الحجية إلا بالمقدار الذي لا يمكن العمل بهما فاللازم بعد تعذر العمل بهما بتمام مؤداهما أما التبعيض أو التخيير لانه عمل بهما في الجملة بقدر الإمكان- وجهان بل قولان- و لعل التساقط بعد التكافؤ و عدم المرجح من جميع الوجوه هو الا وجه لانصراف أدلة الحجية عن المتصادمين «أولا» و لزوم التهافت للتمانع بينهما ثانيا و التبعيض و التخيير يحتاج الى دليل غير دليل نفس الحجية كما ورد في الخبرين المتعارضين بعد تكافئهما من جميع الوجوه الأمر بالتخيير في المعتبرة المستفيضة القائلة: إذا فتخير. اما مع وجود المرجحات فلا إشكال في حجية الراجح و سقوط المرجوح فان حجية البينة كحجية خبر العدل ليس من باب الموضوعية و السببية بل من باب الطريقية فالراجح أقرب الى الواقع فيتعين «الثاني» هل وظيفة المنكر خصوص اليمين كما ان وظيفة المدعي ابتداء هي البينة يعني لو طلب المنكر تقديم بينة تفاديا من اليمين هل يقبل منه أم لا يقبل منه الا اليمين- وجهان بل قولان من ان ظاهر أدلة «البينة على المدعي. و اليمين على من أنكر» هو انحصار وظيفته باليمين فكما ان المدعي لا يقبل منه الا البينة فكذلك المنكر لا يقبل منه الا اليمين و التفصيل قاطع للشركة مضافا الى جملة من الاخبار صريحة بذلك كخبر منصور: رجل في يده شاة فجاء رجل فادعاها فأقام البينة انها ولدت عنده و لم يهب و لم يبع و جاء الذي في يده بالبينة مثلهم عدول انها ولدت عنده لم يهب و لم يبع فقال عليه السلام حقها للمدعي و لا

ص: 155

اقبل من الذي في يده بينة لان اللّٰه تعالى أمر ان يطلب البينة من المدعي فان كانت له بينة و الا فيمين الذي هو في يده هكذا أمر اللّٰه عز و جل،، و قريب منه الرضوي و غيره،،، و من ان المنكر لما كان هو صاحب اليد غالبا و قوله موافق للأصل أيضا اكتفي منه باليمين تسهيلا و رخصة لا عزيمة بخلاف المدعي و لذا تعينت عليه البينة مضافا الى عمومات إذا شهد عندك العادلان فصدقهما و أمثالها و خبر منصور و الرضوي و غيرهما لضعف أسانيدها و اعراض الأكثر عنها لا يصلح لتخصيص تلك العمومات مضافا الى معارضتها بأخبار اخرى صريحة في قبول بينة المنكر و هذا هو الأصح،،، إذا تمهد هذان الأمران فلنشرع في حكم تعارض البينتين في كل واحدة من الصور الأربع فنقول (1) ما إذا كانت العين في يد رجل و ادعاها آخر و اقام كل منهما البينة انها له و قد اختلف فقهاؤنا في تقديم اي البينتين على الأخرى أشد الاختلاف حتى انتهت الأقوال إلى تسعة أو أكثر و منشأ ذلك اختلاف الاخبار فبين قائل بتقديم بينة الداخل اي صاحب اليد و قائل بتقديم بينة الخارج و بين قائل بالتفصيل بين التي ذكرت السبب فتقدم الى غير ذلك من التفصيلات المبسوطة في الموسوعات و الذي يستفاد من مجموع الأدلة في هذه الصورة بعد الجمع بين الاخبار هو لزوم الرجوع الى المرجحات المنصوصة و هي الأكثرية و الأعدلية و ما يلحق بها من متانة الشاهدين و شدة حفظهما و نحو ذلك مما له مدخلية في قوة الظن بأن الحق معهما لا بقضية

ص: 156

ذكر السبب و عدمه مما لا مدخلية له بقوة الظن فان تساويا من جميع تلك الجهات فالترجيح لبينة صاحب اليد و يدل على ذلك صريح جملة من الاخبار كخبر غياث ان أمير المؤمنين عليه السلام اختصم اليه رجلان في دابة كلاهما أقام البينة أنه أنتجها فقضى بها للذي هي في يده و قال لو لم يكن في يده جعلتها نصفين و مثله خبر جابر ان رجلين تداعيا دابة و اقام كل منهما بينة انها دابته أنتجها فقضى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله للذي في يده و لكن في آخر خبر إسحاق ابن عمار فان كانت في يد أحدهما و أقاما جميعا بينة قال اقضى بها للحالف الذي هو في يده، و القاعدة تقتضي تقييدا لا و اين بهذا الخبر فتكون العين المتنازع فيها لمن هي في يده بعد يمينه و هذا يوافق ما اخترناه من ان القاعدة تقتضي تساقط البينتين المتعارضتين و يتوجه على صاحب اليد و هو المنكر اليمين و يحكم له بها و لكن هذا مع تساوي البينتين في العدد و درجة العدالة اما مع تفوق احدى البينتين على الآخرى عددا أو عدالة فلا يبعد الترجيح بالأكثرية و الأعدلية كما صرحت به بعض الاخبار بل و في بعضها الترجيح بذكر السبب مثل ان الدابة نتجت على مذوده أو انه تملكه بالشراء الا ان الاعتداء بهذا مشكل كما ان بعض الاخبار قد اشتمل على ذكر القرعة ففي صحيحة الحلبي في شاهدين شهدا على أمر واحد و شهد آخران على غير الذي شهدا قال عليه السلام يقرع بينهما فأيهما قرع فعليه اليمين و مثلها أخبار أخرى و هذا أيضا طرح للبينات و رجوع الى اليمين و القرعة

ص: 157

و الظاهر عدم لزومها معه بل هي لمزيد التوثق و الاحتياط و كيف كان فالأصح ما ذكرنا من انهما مع التكافؤ يسقطان و يحلف من في يده العين و يأخذها، اما- ما ذكره الشهيد «قده» في اللمعة من انه لو كانت احدى البينتين أقدم قدمت و علله في (الروضة) بقوله لثبوت الملك بها سابقا فيستصحب و على هذا جرت (المجلة) مادة «1760» بينة من تاريخه مقدم اولى مثلا إذا ادعى على العرصة إلى الآخر، فهو انما يصح على المبنى الذي ذكرناه من سقوط البينتين مع التعارض و يرجع الى الاستصحاب و هذا انما يتم حيث لا يد لأحدهما اما مع اليد فلا حاجة الى الاستصحاب بل لا يجري الاستصحاب مع اليد معارضا لها أو موافقا لأنها امارة و لا مجرى للأصل مع الأمارة أصلا كما حقق في محله و كيف كان فتعبير الشهيد كعبارة المجلة لا يلائم ما اخترناه من السقوط بل هو ظاهر أو صريح في ان الاستصحاب مرجح للبينة الموافقة على الأخرى و هذا يتسق على الأصول القديم اما على ما حققه فلاسفة الأصوليين من سقوط الأصل كلية مع الامارة بينة أو غيرها مخالفا أو موافقا بل يموت تماما نعم إذا تعارضت فسقطت يحيا و يلزم الرجوع اليه كما ذكرنا فهو مرجع لا مرجح فتدبره،،، هذا كله إذا كان المتنازع عليه في يد أحدهما اما لو كان في يدهما معا كما في مادة «1756» فقد عرفت انه على نوعين لان كلا منهما اما ان يدعي الكل و اما ان يكون أحدهما الذي يدعي ذلك و الآخر يعترف بالاشتراك يعنى انه يدعي النصف فالباب في كلا

ص: 158

الصورتين باب التداعي لا باب المدعي و المنكر، اما الاولى فواضح ضرورة ان كلا منهما يدعي الكل و الكل في يده حسب الفرض و هو ممكن ببعض الاعتبارات و اما «الثانية» فالنصف متفق عليه بينهما أنه لمدعي الكل انما النزاع في النصف الثاني فمدعي الكل يدعي انه له مع ذلك النصف و الآخر يدعي انه له و المفروض انه في يدهما و قد عرفت ان المائز لباب التداعي عن باب المدعي و المنكر هو كون المتنازع في يدهما أو لا يد لأحدهما عليه فهو باب التداعي و ان كان في يد أحدهما بالخصوص فهو باب المدعي و المنكر و عليه فلا وجه لتقديم بينة الاستقلال اي بينة مدعي الكل كما في «المجلة» و لا للاشتراك إذا ادعى أحدهما النصف بل اللازم «أولا» الرجوع الى المرجحات من الأكثرية و الأعدلية و غيرهما فيعمل بالراجحة منهما فان تكافأتا من جميع الوجوه سقطتا فان كان هناك أصل من استصحاب أو غيره عمل به و الا فالتحالف فان حلف أحدهما و نكل الآخر فهي للحالف و ان حلفا معا اشتركا فيها مناصفة في الصورة الاولى و قسم النصف بينهما في الثانية، و هكذا الكلام فيما لو لم تكن عليها يد أصلا لا لهما و لا لغيرهما و أقام كل منهما البينة،، و هي «الثالثة» و كذلك ظهر حكم الصورة «الرابعة» و هي ما لو كانت في يد ثالث فإنه إن أقربها لهما كانا كما لو كانت في يدهما معا، و ان أقربها لواحد فهو صاحب اليد و عليه اليمين للآخر مضافا الى يمين من صارت له اليد حديدا و ان أنكرهما كان لهما عليه اليمين فإن أقر بها لثالث فهو

ص: 159

صاحب اليد و يختصمان معه و ان قال لا ادري فحكمها كما لو لم يكن لا حديد عليها أصلا،، هذا خلاصة التحقيق في هذا المقام، و هذا هو العلم المشذب و الفقه المحرر و لو رجعت الى موسوعات الفريقين في هذه المباحث و مؤلفاتهم لما زادتك الا حيرة و ارتباكا، و لنرجع الى التعليق على بقية مواد هذا الفصل.

مادة «1757» بينة الخارج أولى في دعوى الملك المطلق الذي لم يبين فيها تاريخ-،،،

و مثاله ما لو ادعى ان الدار التي في يد زيد هي له- يعني و اقام كل منهما بينة ترجح بينة الخارج و تنتزع الدار من يد زيد، و هذا مبني على ما عرفت من ان الخارج وظيفته البينة و ذو اليد وظيفته اليمين و لا تسمع بينته و أوضحنا لك ان الحق خلاف هذا و ان بينة الداخل أحق بالتقديم لاعتضادها باليد و العمل بالامارتين المتفقين اولى من العمل بأمارة واحدة مخالفة و انما جعلت البينة حجة من جهة كونها طريقا الى الواقع لا من باب التعبد و الموضوعية و لا شك ان اليد امارة على الواقع و الأمارتان المتعاضدتان أقرب الى الواقع من الأمارة الواحدة المخالفة، و ان شئت ان تقول بناء على تساقط الحجتين المتعارضتين ان البينتين تساقطتا بالتعارض و بقيت اليد حجة بلا معارض و احترزت «المجلة» بقيد الدعوى في الملك المطلق و الذي لم يبين فيها تاريخ عن ذات السبب و المؤرخة فإنهما مقدمتان عندهم كما أوضحت ذلك في مادة (1758) ترجح بينة الخارج أيضاً على بينة

ص: 160

ذي اليد في دعاوي الملكية المقيدة بسبب قابل للتكرار و هي التي لم يبين فيها التاريخ كالشراء لكونها في حكم دعوى الملك المطلق و لكن إذا ادعى كلاهما بأنهما تلقيا الملك من شخص واحد ترجح بينة ذي اليد. ثم ذكرت المثال و خلاصته انه الخارج لو ادعى حانوتا في يد شخص و قال اشتريته من زيد فان قال ذو اليد انا اشتريته من بكر قدمت بينة الخارج و ان قال انا اشتريته من زيد قدمت بينته و لا اعرف لهذا التفصيل وجها مقبولا، بل اللازم النظر إلى أقوى البينتين كثرة و وثاقة فترجح، و إذا تكافأتا من جميع الوجوه فان قلنا بأن القاعدة التساقط ترجح قول ذي اليد بيمينه لانه منكر و المدعي لا حجة عنده لسقوط بينته بالتعارض، و الا فالترجيح لبينة الداخل لاعتضادها باليد فتكون أمارتان في مقابل واحدة و لا حاجة الى اليمين لان العمل استند إلى البينة و اليد مرجح لا مرجع فتدبره.

و مثله الكلام في مادة (1759) بينة ذي اليد أولى في دعاوي الملكية المقيدة بسبب غير قابل للتكرر كالنتاج- فلو تنازع الخارج و ذو اليد في مهر و اقام كل منهما بينة انه مولود من فرسه ترجح بينة ذي اليد.

قد عرفت ان ترجيح ذي اليد لانه ذو يد لا لأن بينته شهدت بالسبب و الا فكلاهما قد شهدتا بالسبب فليس ترجيح ذي اليد الا ليده فيطرد في كل ذي يد سواء شهدت بالسبب أم لا و مثله ما لو شهدت إحداهما بالمطلق و الأخرى مقيدة بالسبب فان الترجيح لذي

ص: 161

اليد الا ان تكون بينة الخارج أكثر عددا و أقوى وثاقة فإنها تقدم على اليد و يعرف وجهه بالتدبر فيما ذكرناه، نعم قد يكون لإحدى البينتين شبه الحكومة على الأخرى و كالتفسير لها كما لو شهدت بينة ذي اليد انه ورثها من أبيه و شهدت الأخرى بأن أباه اغتصبها من المدعي أو من أبيه أو اشتراها و لم يدفع ثمنها فلا إشكال حينئذ بتقديم بينة الخارج كما نص عليه خبر أبي بصير.

مادة «1760» بينة من تاريخه مقدم أولى- إلى آخرها.

تقدم الكلام فيها و انه لا وجه للترجيح هنا الا الاستصحاب و هو لا يصلح مرجحا للبينة كما لا يصلح معارضا،،،

مادة «1761» لا يعتبر تاريخ الدعوى في النتاج

و ترجح بينة ذي اليد كما ذكر آنفا. الا انه إذا لم يوافق من المدعى به تاريخ ذي اليد و وافق تاريخ الخارج ترجح بينة الخارج- و هذا غني عن البيان فان بينة ذي اليد على هذا التقدير تصبح معلومة الكذب بالوجدان فالخارج كذبها و صدق بينة الخارج و كذلك لو خالف تاريخ كليهما فان الوجدان حينئذ قد كذبهما معا و تبقى اليد سليمة عن المعارض فيحلف لانه منكر و يحكم له باليمين و عليه بالنكول اما لو لم يكن التاريخ معلوما فقد حكمت المجلة أيضا بتهاتر البينتين و تبقى العين في يد ذي اليد،، و هذا غير موافق لما حكمت في المواد السابقة من ان بينة الخارج مقدمة في دعوى الملك المطلق و هذا الفرض يرجع اليه بعد سقوط التاريخ و عدم العلم بتاريخ النتاج

ص: 162

و الأصح ان كان ترجيح لإحدى البينتين فهو و الا فالترجيح لبينة ذي اليد و الاولى ان يحلف أيضا.

مادة «1762» بينة الزيادة أولى فلو اختلف البائع و المشتري في مقدار الثمن أو المبيع ترجح بينة مدعي الزيادة،،،

و هذا واضح بناء على تقديم بينة الخارج اما على العكس فالأمر بالعكس فتدبره.

مادة «1763» ترجح بينة التمليك على بينة العارية،

فلو قال أعطيته لك عارية و قال بل بعته لي أو وهبته ترجح بينة البيع أو الهبة،،، هذا المسألة ذات شقوق و شعوب و هي مسألة مشكلة و سيالة ذات أشباه و نظائر و فيها فقاهة و فن، و تحريرها كما يجب- ان التنازع في العارية و البيع اما ان يكون بعد تلف العين عند مدعي البيع أو مع وجودها في يده فان كان بعد التلف فاما ان يكون مع دعوى تسليم الثمن من مدعي البيع أو مع اعترافه بعدم التسليم و على كلا التقديرين يلزمه التسليم لأصالة عدمه في الأول و لاعترافه بأنه لازم عليه في الثاني و لكن مدعي العارية لا يستحقه من جهة إنكاره للبيع و العارية غير مضمونة إلا بالتعدي و الأصل عدمه فلا يجوز له أخذ الثمن نعم على مدعي البيع ان يدسه في أمواله أو يدفعه الى حاكم الشرع ان لم يتمكن من إيصاله اليه و يشبه ان يكون كمجهول المالك (و بالجملة) فأصالة عدم الضمان و أصالة عدم البيع تقضي بعدم استحقاق مدعي العارية عوض العين التالفة و لكن اعتراف مدعي البيع يقضي

ص: 163

بوجوب تسليمه الثمن و ان كان الآخر لا يستحقه حسب اعترافه و مثل هذا كثير في الفقه، اما مع وجود العين في يد مدعي البيع و عدم تلفها فأصح ما يجري من الأصول هنا هو استصحاب ملكية مدعي العارية الذي يعترف مدعي البيع انها كانت له و يدعي انتقالها منه اليه و الأصل عدم الانتقال و بقاء تلك الملكية فيجب عليه ردها اليه لا يقال ان يد مدعي البيع الفعلية تعارض الاستصحاب و هي مقدمة عليه لأنها امارة و الاستصحاب أصل لأنا نقول ان هذه اليد الفعلية لا اثر لها لأنها فرع عن يد سابقة باعتراف المدعي أي مدعي البيع فيكون أصالة بقاء الأصل حاكم على الفرع فتدبره.

هذا من حيث مجاري الأصول و حيث لا بينة أصلا،،، اما لو كانت فاما ان تكون لواحد منهما فقط فلا اشكال ان العمل عليها و ان كانت لكل واحد بينة فان كان لواحدة منهما مرجح فالعمل عليها و ان تكافأتا و قلنا بالتساقط فالمرجع هو الأصل الذي عرفته و يصبح مدعي البيع هو المدعي و عليه الإثبات و حيث سقطت بينته بالتعارض فالآخر هو المنكر و يحكم له بالعين بعد يمينه و إذا قلنا بعدم التساقط فان جعلنا المدار في الداخل و الخارج على اليد الفعلية فمدعي البيع هو الداخل و تقدم بينته عند من يقول بتقديم بينة الداخل كما هو الأصح لاجتماع أمارتين البينة و اليد في قبال امارة واحدة، و الخارج هو مدعي العارية فتقدم بينته عند من يقول بتقديم بينة الخارج، كأصحاب المجلة و ان قلنا بان المدار على اليد السابقة و هي يد مدعي العارية انعكست

ص: 164

القضية و انقلب الحكم فتدبر.

كل هذا التحقيق و اغتنمه فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب.

مادة (1764) ترجح بينة البيع على بينة الهبة و الرهن و الإجارة و بينة الإجارة على بينة الرهن

- الى آخرها.

هذا أيضا فرع على الأصل الذي اعتمدوا عليه من تقديم بينة الخارج و حيث ان مدعي البيع قوله مخالف للأصل أعني أصالة عدم الانتقال أو أصالة عدم استحقاق الثمن على المدعى عليه فهو الخارج بناء على ان كل من يخالف قوله الأصل خارج فتقدم بينته، و لكن التحقيق ان هذا الفرع و نظائره مما يتفق فيه المتداعيان على كون العين كانت لأحدهما و انتقلت الى الآخر لكن تنازعا في أنها انتقلت.

بعوض أو بغير عوض كالبيع و الهبة أو اتفقا على انتقال المنافع و تخاصما هل انتقالها مع العين أو مستقلة كالبيع و الإجارة أو البيع و العارية على القول بأنها تمليك المنافع نعم الحق ان المرجع في كل هذه الفروض الى ان قاعدة احترام مال المسلم هل مقتضى انه لا ينتقل الا بعوض الا ما خرج أو انها لا افتضاء لها من هذه الجهة و لا يستفاد منها الا ان احترام مال المسلم يقتضي ان لا ينتقل عنه و لا يتصرف فيه أحد إلا برضاه فلا تفيد أكثر من أمثال قولهم عليهم السلام لا يحل مال امرء الا بطيب نفسه من الكتاب و السنة فان قلنا ان الأصل هو عدم الانتقال بالعوض فالقول لمن يدعي البيع و الا فالقول لمن يدعي الهبة اما النزاع في البيع أو الرهن فلا ريب ان الأصل عدم الانتقال فيكون

ص: 165

القول مع منكره و كذا في البيع و الإجارة فإن مدعي البيع يدعي انتقال العين و المنفعة و المنافع متفق على انتقالها و الأصل عدم انتقال العين فقول مدعي الإجارة موافق للأصل و بمعرفة الموافق للأصل من المخالف يعرف الداخل و الخارج و منه يعلم حكم النزاع في انه رهن أو إجارة فإن الأصل عدم انتقال المنافع فالقول مع مدعي الرهن و من كل هذا ظهر ان المجلة في مادة «1765» شذت أو اشتبهت في القاعدة التي بنوا عليها من تقديم بينة الخارج ضرورة أن المعير الذي يدعي التقييد و التعيين باستعماله أربعة أيام فقط يخالف قول الأصل أعني أصالة عدم التقييد فيكون هو الخارج و تقدم بينته و لكنهم حكموا بتقديم بينة المستعير الموافق للأصل و دعوى ان القول قول المعير في نوع ما يملكه من المنافع لغيره فيكون قوله موافقا للأصل- مردودة بأن الأصل و ان اقتضى الرجوع إليه في تعيين قصده و لكن ذاك حيث لا يكون دليل اجتهادي كظواهر الألفاظ من إطلاق و تقييد يعين بهما المراد فتدبره جيدا و لا تغفل كغفلتهم في هذه المادة و مادتي «1766» و «1767» فان الأصل لما كان هو الصحة و العقل فمدعيهما موافق للأصل فيكون داخلا و اللازم على قاعدتهم ان ترجح بينة الخارج و هو مدعي المرض و الجنون،،،

مادة «1768» إذا اجتمع بينة الحدوث و القدم

- الى آخرها إذا تنازع اثنان في ان المسيل حدث منذ خمسين سنة أو عشر سنين فقد مر عليك غير مرة ان أصالة تأخر الحادث تقتضي الحدوث

ص: 166

و بناء على تقديم بينة الخارج تقدم بينة القدم المخالفة للأصل فحكم المجلة بتقديم بينة الحدوث فيه خروج عن قاعدتهم فتدبره جيداً و لا تغفل.

مادة «1769» إذا أظهر الطرف الراجح العجز عن البينة

- لعله يريد بالطرف الراجح من يوافق قوله الأصل أو العكس و على كل حال فالأمر فيهما واضح.

الفصل الثالث في (القول لمن. و تحكيم الحال)

مادة «1771» إذا اختلف الزوج و الزوجة في أمتعة الدار التي سكناها- الى آخرها.

هذه المسألة أيضا من مهمات مسائل الخصومات و هي قضية تنازع الزوج و الزوجة في أمتعة البيت و هي و ان كانت معنونة بعنوان الزوج و الزوجة و لكنها كثيرة الاشتباه و النظائر كثيرة الدوران و عامة البلوى، و ربما يطرد حكمها في كل شريكين أو أكثر في محل

ص: 167

لو تنازعا على ما في ذلك المحل من متاع أو آلات أو نحو ذلك كالنجار و الحداد لو اشتركا في العمل في حانوت واحد و تنازعا على بعض آلات مختصة أو مشتركة و قد تكثرت الأقوال و تضاربت الأفكار في تنازع الزوجين على الأمتعة فبين قائل بأن لكل واحد منهما ما يخصه و المشترك يقسم بينهما بعد التحالف و قيل الكل للزوج و قيل الكل للزوجة و قيل المرجع الى العرف مطلقا و قيل هما فيه سواء مطلقا فان حلف أحدهما فهو له و ان حلفا أو نكلا قسم بينهما و نسب الى الصدوق «قده» القول بان ما يختص الرجل له و ما يخص المرأة و المشترك لها فهذه خمسة أقوال،،، و سر هذا الخلاف و ملاك الارتباك هو ان متاع البيت لما كان تحت استيلاء الزوجة و الزوج معا فيكون الجميع في يد كل منهما فلو تنازعا كان من قبيل تعارض اليدين و تدخل في قضية تنازع اثنين على مال بأيديهما فإذا سقطت اليد بالتعارض فان كانت لأحدهما بينة فلا ريب في ان العمل يكون عليها و ان كانت لكل منهما بينة يرجع الى المرجحات فيعمل بالراجحة و ان تكافأتا لم يكن مجال لتقديم بينة الداخل أو الخارج بعد فرض ان كل واحد له يد على المجموع فكلاهما داخلان فتشكل المسألة و كذا لو لم يكن بينة أصلا،،، اما اخبار أهل البيت سلام اللّٰه عليهم في هذه العقدة فهي كثيرة و مختلفة المفاد ظاهرا و من طريقها أو ظريفها حديث ابن «1» الحجاج البجلي قال سألني أبو عبد اللّٰه اي الصادق «ع» «1» عبد الرحمن بن الحجاج البجلي الكوفي سكن بغداد و هو-

ص: 168

كيف قضاء ابن أبي ليلى «1» قلت قضى في مسألة واحدة بأربعة وجوه في التي يتوفى عنها زوجها فيجي ء اهله و أهلها في متاع البيت فقضى فيه بقول إبراهيم النخعي ما كان من متاع الرجل فللرجل و ما كان من متاع النساء فللمرأة و ما كان من متاع يكون للرجل و المرأة قسمه بينهما نصفين. ثم ترك هذا القول فقال المرأة بمنزلة الضيف في منزل الرجل، لو ان رجلا أضاف رجلا فادعى متاع بيته كلف البينة كذلك المرأة تكلف البينة و الا فالمتاع للرجل و رجع الى قول آخر فقال القضاء ان المتاع للمرأة الا ان يقيم الرجل البينة على ما أحدث في بيته ثم ترك هذا القول و رجع الى قول إبراهيم الأول فقال عليه السّلام القضاء هو الأخير و ان كان قد رجع عنه المتاع متاع المرأة الا ان يقيم الرجل البينة قد علم من بين لا بيتها يعني جبلي متى ان المرأة تزف الى بيت زوجها بمتاع و مثله صحيحته الأخرى و بينهما تغيير يسير و في آخرها: أ رأيت إن أقامت بينة كم كانت تحتاج فقلت شاهدين- من خواص أصحاب الإمام الصادق و ولده موسى الكاظم [ع] و كان راويا لهما و وكيلا عنهما سلام اللّٰه عليهما و أدرك الإمام الرضا عليه السلام و مات في أيامه أي بعد المائتين و هو من أجل رواتنا رضوان اللّٰه عليهم «1» محمد بن عبد الرحمن الأنصاري قاضي الكوفة أيام بني أمية و بني العباس و كان يفتي بالرأي قبل أبي حنيفة و له معه مناظرات و منافرات و كان أبوه من أكابر التابعين وجده أبو ليلى من الصحابة اسمه يسار من ولد احيحة ابن الجلاح توفي سنة 148.

ص: 169

فقال لو سألت بين لابتيها يعني الجبلين و نحن يومئذ بمكة لأخبروك أن الجهاز و المتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت زوجها فهي التي جاءت به و هذا المدعي ان زعم انه أحدث فيه شيئاً فليأت عليه بالبينة، و في صدرها استثناء الميزان و انه للرجل، و في جملة من الاخبار ان لكل منهما ما يخصه و المشترك بينهما يقسم، هذا موجز ما في المسألة من الأقوال و الاخبار الواردة فيها.

و الذي ارى ان الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم و ان أطنبوا في هذا البحث و لكنهم لم يوفوا هذا الموضوع حقه من التحرير و التحقيق و نحن بلطفه تعالى نوضحها لك بأسلوب بكر من البيان يتجسم به روح الحقيقة حتى تلمسها بيدك و تبصرها بعينك مجردة عن كل غطاء و غشاوة و ذلك بعد مقدمتين «الاولى» ان كل أحد يعلم باختلاف التقاليد و العادات بين طبقات البشر في قضية الزوج و الزوجة من حيث الجهاز و المتاع و ما تأتي به معها من بيت أبيها إلى بيتها الجديد فبين طائفة تأتي الزوجة و لا شي ء معها سوى ثياب بدنها التي عليها مظلومة محرومة من كل شي ء حتى من مهرها الذي يستهلكه لنفسه أبوها أو أخوها الذي يتولى أمرها و هؤلاء يرون ان البنت كالبهيمة المملوكة تباع و تشترى و لا شي ء لها من الحقوق المدينة و تزويجها عبارة عندهم عن بيعها كما تباع البقرة فتورث هي كسائر الأموال المنقولة و لا تعطى من الإرث شيئا و هؤلاء هم أكثر الأعراب من أهل القرى و الرساتيق و سكان الصحراء البوادي و هذا هو الظلم الفظيع

ص: 170

و الشنشنة الخبيثة التي جاء الإسلام لمحوها و تكرر في الكتاب الكريم تفنيدها و التوبيخ عليها و لكن على رغم العدل و الانصاف ما أجدى كل ذلك شيئاً و لا يزال القوم الى اليوم متمادين في ذلك الضلال و سوء الحال و لا نزال نبذل جهودنا معهم في الوعظ و الإرشاد و لا سامع و لا مجيب إلا في القليل النادر، و حيث ان أوضاع هذا الكون اعني عالم الكون و الفساد في الغالب على طرفي نقيض بين الإفراط و التفريط- فهناك طائفة أخرى و لا سيما في المدن و العواصم على ضد ذلك تحمل الزوجة معها من بيت أبيها ادارة بيت كاملة من العرش و الفرش و الأواني و القدور الى الخيط و الإبرة و قد يتفق انها تكتسح بيت أبيها و لا تترك فيه شيئاً بل تتركه فقيرا، لا يملك دانقا و لا قطميرا و بين هذين الطرفين طبقات مختلفة العادات و الحالات و للفقر و الغنى دخل شديد و يد قوية في ذلك، فاحتفظ بهذا و اجعله على بالك «الثانية» ان محور قضية تنازع الزوج و الزوجة و نظائرهما تدور في الحقيقة و بعد دقة النظر على قضية اليد فقط لا على المختص بالرجال و المختص بالنساء، فمعرفة صاحب اليد هنا في الدرجة الاولى و معرفة الاختصاص في الدرجة الثانية، و معرفة صاحب اليد في الغالب سهلة التناول قريبة المأخذ فان كلا من الزوجة و الزوج على الأكثر لا بدّ و ان يكون له في البيت شي ء يختص به من غرفة أو صندوق أو خزانة يضع فيها ثيابه أو أوراقه أو نقوده أو كل ذلك و كذلك الزوجة و هذا جد واضح كما لإشكال أيضا في ان في البيت

ص: 171

متاعا كثيرا لا يختص بأحدهما و لا يد لأحدهما عليه كالفراش و السجاد و الأواني و نحو ذلك إذا تمهد هذا- اتضح لك ان اللازم على الحاكم حين ترفع إليه حادثة من هذه المشاجرات ان ينظر أولا الى ان المتنازع فيه هل هو في يد الزوج أو الزوجة و في تصرف اى واحد منهما فيحكم بأنه هو المنكر و على الآخر إقامة البينة سواء كان ذلك الشي ء من مختصاته أو مختصات الطرف الآخر فان الحلي كالسوار و القلادة التي لا شك ان من مختصات النساء قد يصوغها الزوج من ماله و يضعهما في صندوقه أو في خزائنه أو يدفعها أحيانا للزوجة للزينة ثم يسترجعهما منها فكونه من مختصات الزوجة لا يلزمه ان يكون ذلك ملكها أو في يدها كما ان بعض مختصات الرجل كالسيف أو الدرع فيكون ملكاً للمرأة و خزانتها إما بالإرث من أبيها أو غير ذلك من الأسباب فإذا عرف الحاكم انه في يدها و تحت استيلائها و تصرفها يحكم على الآخر بإقامة البينة فإن عجز عن الإثبات حكم لصاحب اليد بيمينه بل ينبغي ان يكون هذا النحو خارجا عن موضوع البحث و ان كانت كلماتهم في قضية الاختصاص مطلقة فإن عجز الحاكم عن معرفة صاحب اليد المالكة لاشتراك تصرفهما فيه أو لكونه في يدهما معا أو في خزانتهما المشتركة بينهما كمكينة الخياطة الموجودة في غرفتهما المشتركة و كل منهما يستعملها أحيانا أو نحو ذلك من الآلات حتى المصاغ كالمنطقة و الخاتم سواء كان من صياغة الزوج أم لا فهنا تأتي قضية النظر في المختص و المشترك

ص: 172

فان كان من مختصات الرجل كالسيف و الرمح و نحوهما جعلنا الاختصاص امارة على انه له و انه هو صاحب اليد المالكة و كذلك ما إذا كان من مختصات المرأة كالاقراط و الأسورة فإن اختصاص النساء بشي ء امارة على انه ملك الزوجة و في يدها و ان كان من صياغة الزوج و هذه اليد الانتفاعية أو الاستعمالية دليل على اليد المالكية فان لم يكن هناك اختصاص بل هو في حيازة كل منهما و كل منهما له اليد الانتفاعية به و هو صالح للنساء و الرجال كالافرشة و التخوت و الصناديق و الأواني فاللازم النظر هناك إلى قضية ما ذكرنا من العادات و التقاليد في جهاز المرأة و ما تحمله من بيت أبيها إلى بيت زوجها كما أشارت إليه رواية البجلي من ان القضاء هو الأخير و لعل عادة أهل الحرمين مكة و المدينة كعادة بغداد و ما يلحقها ان الزوجة تأتي في الغالب بإدارة كاملة كما ذكرنا و هذه هي (المرحلة الثالثة) في سير نظر الحاكم و تحريه دقة نظره لاصابة الحق و إذا لم ينجع كل ذلك اي لم يكن يد و لا اختصاص و لا عادة و تقاليد و كان الشي ء في يدهما الاستعمالية معا من دون يد مالكية لأحدهما و تأتي «المرحلة الرابعة» و تكون القضية من باب التداعي مثل تداعي شخصين ما بيدهما أو بيد ثالث أولا يد لأحد عليه أصلا يتحالفان فيأخذه الحالف فان حلفا أو نكلا قسم بينهما هذا كله حيث لا بنية أو قبل النظر إلى البينة يعني حيث يراد تعيين المدعي من المنكر و تمييز الخارج من الداخل و تشخيص أن القضية من باب المدعي أو من باب التداعي

ص: 173

و على هذه المراحل الأربع تنزل الأخبار المختلفة و كل واحد منها ناظر إلى جهة فالتقسيم للتداعي و كل المتاع للرجل حيث لا بد للزوجة و لا عادة و هو للمرأة كله فيما هنالك عادة كما استشهد الامام عليه بمن بين لابتيها فكل واحد له ما يختص به حيث لا بد و لا عادة و هذه هي الوجوه الأربعة التي تقلب فيها رأي القاضي ابن أبي الى و ارتبك منها و لم يستقر على واحد منها و لو ساعدته العناية لعرف ان لكل واحد من تلك الوجوه موضوعا يخصه لا انه يفتي به بقول مطلق و في جميع الأنحاء إذ لا شك انه لا وجه للرجوع الى الاختصاص مطلقا حتى في مقام كون اليد و الاستيلاء لأحدهما كما لا وجه له أيضا فيما إذا كانت العادة أنها تأتي بجميع الإناث من بيت أبيها فإنها تكون حينئذ هي صاحبة اليد على كل ما في البيت و الزوج هو المدعي و عليه البينة كما قال الامام عليه السلام و هذه هي الظهورات العرفية المتبعة أعني ظهور الأحوال و الأفعال الذي هو كظهور الأقوال فتدبره جيدا و اغتنمه، اما لو كان في البين بينة فان كانت لأحدهما فقط زوجا أو زوجة حكم له بها مطلقا في جميع الوجوه المتقدمة مع الاختصاص و عدمه و مع اليد و عدمها الى آخر ما سبق و ان كانت لكل واحد منهما بينة فان كان لأحدهما يد و استيلاء أقوى من الآخر على ما عرفت من كونه في صندوقه أو في خزانته الخاصة به أو اختصاص أو عادة كان بالضرورة هو المنكر اي الداخل و الآخر هو المدعي أي الخارج و هنا يجي ء الارتباك و اختلاف المذاهب و الآراء فأصحاب المجلة

ص: 174

يقدمون بينة الخارج ففي مختصات النساء يحكمون بها للرجل و العكس بالعكس كما نصت عليه هذه المادة التي نحن فيها، اما عندنا فالأصح كما سبق مفصلا تقديم بينة الداخل لاعتضادها باليد ففي مختصات الزوجة تقدم بينتها و تحكم لها و في مختصات الرجل تقدم بينته و ان لم تكن يد و لا اختصاص و لا عادة يعرف بها الداخل من الخارج و المدعي من المنكر فان كان لإحدى البينتين ترجيح بكثرة أو وثاقة قدمنا الراجحة و ان تكافأتا من جميع الجهات فان حلف أحدهما فقط فللحالف و ان حلفا معا أو نكلا فالتقسيم،،، هذه هي الحقيقة الناصعة، و الطريقة الجامعة، التي تمنعت على أفكار فطاحل العلماء و القضاء من الصدر الأول إلى اليوم و المنة للّٰه وحده.

مادة (1773) إذا أراد الواهب الرجوع عن الهبة و ادعى الموهوب له تلف الموهوب فالقول له بلا يمين.

لا وجه له بل كل من يكون القول له فإنما يحكم له بعد يمينه و يمكن إعطاء قاعدة كلية و هي ان كل من يكون القول قوله فلا بد معه من اليمين بل يمكن ان يقال في هذا الفرع ان القول ليس له بل للواهب لان قوله يوافق أصالة عدم التلف و استصحاب بقاء العين و كل من يدعي خلاف الأصل فعليه الإثبات بالبينة، و ليس هو بأمين كالودعي حتى يقبل قوله و ان خالف الأصل كما في «1774»، (1775) إذا اعطى من له ديون مختلفة لدائنه مقدارا من الدين فالقول قوله في

ص: 175

كونه أعطاه محسوبا من باقي الدين.

هذه المادة بظاهرها لا محصل لها و لعل مرادهم انه إذا كان عليه ديون مختلفة اي بعضها عليها رهن و بعضها بلا رهن فادعى المديون انه قصد دفع الدين الذي عليه رهن يصدق لأنه أعلم بقصده و هو من الأمور التي لا تعلم الا من قبله و هو صحيح متجه، (1776) إذا انقضت مدة إجارة الرحى و أراد المستأجر حط حصته من الأجرة مدة انقطاع الماء- و وقع بين الآخر و المستأجر اختلاف و لم تكن هناك بينة الى- آخرها.

هذا أيضا من المواضع التي اشتبهت المجلة فيه حيث جعلت القول قول المستأجر ان المدة عشرة لا المؤجر القائل أنها خمسة فان المرجع هنا استصحاب بقاء الماء الا بالمقدار المتعين انقطاعه فيها و هو الخمسة فقول المؤجر هو الموافق للأصل و مدعي الزيادة عليه الإثبات و هكذا إذا كان الاختلاف في أصل الانقطاع فان القول قول منكره مطلقا سواء كان موجودا حال الخصومة أو منقطعا بعد ان كان حال الإيجار موجودا فيستصحب الى زمن اليقين بانقطاعه فتعود المسألة الأولى نعم لو لم يكن موجودا حال الإيجار انعكس الحكم فتدبره و منه يعلم مادة «1777» و هو ما إذا اختلفا في طريق الماء انه قديم أو حادث فان المرجع إلى أصالة تأخر الحادث اي استصحاب عدمه الى زمن اليقين بحدوثه من غير فرق بين وجود الماء في المسيل حال الخصومة أو عدم وجوده بعد العلم بوجوده سابقا و انما الشك في قدمه

ص: 176

و حدوثه نعم لو كان للحدوث أثر شرعي بعنوانه الخاص يشكل إثبات ذلك الأثر باستصحاب عدمه الا على القول بالأصول المثبتة فتدبره.

الفصل الرابع في (التحالف)

باب التحالف هو باب التداعي على عين ليس لأحدهما يد عليها و لا يكون قول أحدهما موافقا بل الكل مخالف و حينئذ فإن اختص أحدهما بالبينة حكم له بها و ان كان لكل واحد بينة و لم يكن مرجح لأحدهما فاما ان يحلف أحدهما فقط فيحكم له أو يحلفان معا فان كان النزاع على عين قسمت بينهما و ان كان على عقد يحكم بفسخه و يترادان هذا هو القاعدة العامة في باب التداعي و لكن تنازع البائع و المشتري في مقدار الثمن ليس من هذا القبيل فان من يدعي الزيادة مدع و خصمه منكر فهو باب المدعي و المنكر و الأول يخالف قوله الأصل بخلاف الثاني فذكره هنا وضع للشي ء في غير محله و في غير بابه نعم لو تنازعا في الجنس و ان المبيع فرس أو شاة و الثمن فضة أو ذهب و العقد بيع أو صلح و هكذا كان من باب التداعي و بعد التحالف

ص: 177

الفسخ كما عرفت- هذا كله في البيع اما لو كان النزاع في الإجارة ففي مادة «1779» إذا اختلف المستأجر قبل ان يتصرف في المأجور الى آخرها.

و مادة «1780» و حاصلهما ان المؤجر و المستأجر لو تنازعا في قدر الأجرة فاما ان يكون قبل التصرف في العين المأجورة أو بعده فإن أقام أحدهما البينة حكم له بها و ان أقاما البينة حكم ببينة الخارج عندهم و هو المؤجر المدعي للزيادة المخالف قوله للأصل و ان لم يكن بينة أصلا حلف المستأجر أي منكر الزيادة و ان نكل حكم عليه و ليس هذا من باب التداعي و التحالف فذكره هنا لا وجه له أصلا كما لا وجه لقولها: يحلفان معا- بل يحلف المنكر فقط اى منكر الزيادة كما عرفت و لا مجال للفسخ هنا أصلا و قد اشتبهت المجلة هنا اشتباها مريبا و مثله ما لو اختلفا في المدة أو المسافة و قول المجلة: و يبدأ بتحليف المؤجر في صورة التحالف اشتباه واضح، إذ لا تحالف في المقام أصلا، و لا فرق في كل ما ذكرنا بين كون النزاع بعد التصرف أو قبله فتدبره، و منه ظهر حكم مادتي «1781: 1782» نعم أصابت المجلة شاكلة الصواب في مادة «1783» ليس في دعوى الأجل يعني كونه مؤجلا أولا و في شرط الخيار و في قبض كل الثمن أو بعضه تحالف، و في هذه الصور الثلاث يحلف المنكر،،، و لكن أوضح من هذه الصور كلها النزاع في المقدار من حيث الأقل و الأكثر لا في البيع و الإجارة فقط بل في جميع العقود و المعاملات القائل بالزيادة

ص: 178

مدعي و النافي لها منكر نعم لو كان النزاع في ان المبيع أو المأجور الدابة أو الدار مثلا أو الثمن دراهم أو دنانير و نحو ذلك فهو باب التداعي و التحالف و ما ادري كيف اشتبه هذا الأمر الواضح على أصحاب المجلة فخلطوا بل غلطوا هذا الغلط الذي لا يخفى على واسط الطلب فضلا عن أفاضلهم و العصمة للّٰه وحده و منه التوفيق.

و تحصل من جميع الذي تلوناه انه كلما كان النزاع في الأقل و الأكثر أو الإطلاق و التقييد أو النفي و الإثبات فهو باب المدعي و المنكر- ان أثبته المدعي حكم له و الا حلف المنكر و انتهت الخصومة و كلما كانت الخصومة بين متباينين فهو باب التداعي و التحالف فتدبره و اغتنمه.

ص: 179

الكتاب السادس عشر (في القضاء

اشارة

و يشتمل على مقدمة و أربعة أبواب)

المقدمة (في بيان الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالقضاء)

اشارة

مادة «1784»

القضاء:

يأتي بمعنى الحكم و الحاكمية.

الفرق بين الحكم و الحاكمية جهة اعتبارية فان الحاكمية أهلية الشخص لإصدار الحكم و الحكم هو القول الصادر لحسم الخصومة و لا اثر يترتب على هذا في مقام العمل أصلا.

مادة «1785»

الحاكم:

هو الذات الذي تعين و نصب من قبل السلطان لحسم الدعاوي و المخاصمات- إلى آخرها.

ص: 180

هذا عند جمهور المذاهب على الظاهر اما عند الإمامية فهو منصب الهي و صفة نفسانية كمالية تخوله تلك الأهلية اي أهلية الحكم و القضاء بين الناس و لا دخل للسلطان فيه أصلا، لا نصبا و لا عزلا، تنصبه الفضيلة و الامانة، و تعزله الرذيلة و الخيانة، يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ. وَ لٰا تَتَّبِعِ الْهَوىٰ.

مادة «1786»

الحكم:

عبارة عن قطع الحاكم المخاصمة- إلى آخرها.

هذا اصطلاح لا اثر له عملي لا عندهم و لا عندنا، اما بقية المواد هنا فهي أشبه بالمهزلة و الفضول مثل ان المحكوم عليه هو الذي حكم عليه و هلم سحلا.

ص: 181

الباب الأول في (الحكام

اشارة

و يحتوي على أربعة فصول)

الفصل الأول في (بيان أوصاف الحاكم)

مادة (1792) يلزم ان يكون الحاكم حكيما فيهما مستقيما و أمينا مكينا متينا.

مادة «1793» يلزم ان يكون الحاكم عالما بالمسائل الفقهية واقفا عليها و على أصول المحاكمة مقتدرا على حسم الدعاوي الواقعة تطبيقا لها.

هذه الأوصاف على الجملة معتبرة في الحاكم و لكن لو امعنا النظر في كثير منها لم يجد لها معنى محصلا و لا تجدها الا فارغة جوفاء مثلا

ص: 182

لزوم كون الحاكم حكيما، فما المراد بالحكيم هنا هل هو العالم بعلم الحكمة التي هي معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه على حسب الطاقة البشرية كما يقول أربابها، أو الحكمة بمعنى وضع كل شي ء في محله كما هو عند أهل العرف و اللغة، أو الحكمة بمعنى الطب كما هو عند العوام حيث يطلقون الحكيم على الطبيب، كل هذا ليس بلازم في الحاكم الشرعي إذا فما هو المراد، و مثله- كونه مكينا و متينا.

«و بالجملة» فما ذكرته المجلة من أوصاف الحاكم أكثرها فارغة لا محصل لها، و انما الأوصاف المفهومة المعلومة اللازمة فيه إجماعا هي ستة «1 و 2» البلوغ و العقل- فلا يصح قضاء الصبي و ان كان مميزا و جامعا للشرائط الأخر، و لا المجنون مطلقا و لو في حال إفاقته على الأصح و لو كان جامعا أيضا «3 و 4» الإسلام و الايمان «5 و 6» الوصفان الركنيان بل و أهم أوصاف الحاكم و هما- الاجتهاد- و هو كما مرت الإشارة إليه ملكة استنباط الأحكام الفرعية من أدلتها الشرعية التفصيلية، و هو مقام الفتوى و استخراج الحكم الإلهي الكلي من الأدلة العامة و الخاصة، و القضاء أصعب منه بكثير فإنه مقام تطبيق تلك الأحكام الكلية على مصاديقها الجزئية حسب الحوادث و الوقائع المتجددة و هذا الشرط الذي هو أعظم الشروط و أهم الأوصاف ألغاه و أهمله الجمهور من اتباع أرباب المذاهب و منهم أصحاب (المجلة) و لعل ذلك من جهة انسداد باب الاجتهاد عندهم و لم يكتفوا بإهمال هذا الشرط فقط بل أهملوا ما هو أهم

ص: 183

و الزم منه و هو الوصف (السادس) الذي هو الركن الأعظم من أوصاف القاضي و الحاكم الا و هو العدالة التي عرفت انها ملكة نفسانية تردع صاحبها عن ارتكاب الكبيرة و الإصرار على الصغيرة و الإتيان بشي ء من منافيات المروة و قد اعتبر القرآن المجيد بالعدالة في الحاكم و الشاهد في عدة آيات: يَحْكُمُ بِهِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ، اثْنٰانِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ، وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ،،، نعم و لكن القوم و لا سيما في هذه العصور قد أهملوا هذين الشرطين و من أجل إهمال هذين الشرطين المهمين في القضاء الذي هو من أهم المناصب و أشقها بل و أشقاها بل هو المجلس الذي لا يحل إلا نبي أو وصي أو شقي، نعم من أجل إهمال هذين الركنين صار يتولى القضاء و الحاكمية في هذه العصور- الصبية و الولدان من الناشئين الذين لم يخوضوا بعد غمار الحياة و تحنكهم التجارب و لا نصيب لهم من العلم الا ما عرفوه من بعض الكليات التي تلقنوها في بعض مدارس الحقوق فأين الاجتهاد و اين العدالة و اين الحنكة و التجارب و الممارسة في معرفة التشخيص و التطبيق؟

و كيف يؤتمن أمثال هؤلاء على اعراض الناس و أموالهم و حقوقهم بل و دمائهم فلا حول و لا قوة و لا شهامة و لا فتوة نسئله تعالى تسديدا أولياء الأمور و إصلاحهم فإذا صلحوا صلح كل شي ء إن شاء اللّٰه،،، و قد أشارت المجلة الى الوصفين الأولين من الأوصاف الستة المتقدمة في مادة (1794) يلزم الحاكم ان يكون مقتدرا على تمييز الناس بناء عليه لا يجوز قضاء الصغير و المعتوه و الأعمى و الأصم الذي لا يسمع

ص: 184

صوت الطرفين القوي.

اما العمى و الصمم فلم يتفق أصحابنا على اعتبار خلو الحاكم منهما و لعل الأشهر عدم اشتراط ذلك إذ رب بصيرة تغني عن الف بصر كما هو الغالب في العميان و قد شاهدنا و شاهد غيرنا منهم العجائب نعم اعتبر جماعة من أصحابنا شرائط و أوصاف أخر في الحاكم منها «ان يكون ذكرا» فلا يصح قضاء المرأة و ان جمعت بقية الشرائط و الظاهر هو انه اتفاقي عند عامة المسلمين و لعل المجلة لم تصرح به لوضوحه (و منها) ان لا يكون أمياً أي يلزم ان يكون كاتبا «و منها» طهارة المولد فلا يصح قضاء ولد الزنا و ان كان مجتهدا عادلا «و منها» الحرية فلا يصح قضاء العبد و ان اذن له المولى و كان جامعا للشرائط و هو محل نظر «و منها» زيادة تضلعه في أحكام القضاء و طول ممارسته بها بالبحث و التدريس، و لا ماس بهذا الشرط «و منها» ان يكون حافظا اي لا يكون كثير السهو و النسيان، و يغني عن هذا ان يكون له كاتب عدل ثقة أمين، و هو اليوم في نفس الحكام نادر فكيف بكتابهم.

ص: 185

الفصل الثاني في (بيان آداب الحاكم)

هذه الأوصاف المذكورة في هذا الفصل كلها قد ذكرها أيضا فقهاؤنا و التزموا باشد من ذلك في أدب الحاكم و لكن كل واحد منها أدب مستحسن و اخبار أهل البيت في حث الحاكم على التزام العفة و النزاهة و العدل كثيرة و لكن كل واحد منها ليس بحيث لو أخل به يكون حكمه باطلا إذا كان جامعا للشرائط الركنية المتقدمة، و أهم ما في هذه الأوصاف متانة الحاكم و رزانته في سائر أحواله فضلا عن مجلس الحكم و يليه في الأهمية عدم قبول الهدية و الدعوة، فإنها قد تكون في حقيقتها رشوة، و هي من أعظم الكبائر على الدافع و الآخذ و هي من السحت الذي ذكره الباري عز شأنه في كتابه المجيد بأسوإ الذكر، و يتسق بهذه الآداب أدب التسوية بين الخصمين في كل الأحوال و الملاحظات حتى بالسمع و البصر و الوجه و اللسان بل و بالميل القلبي ان كان مستطاعا فلا يسمى أحدهما باسمه و الآخر بكنيته و ان كان أحدهما من الشرف في أعلى الطبقات و الآخر في أدنى

ص: 186

الطبقات فان جميع الناس إمام الحق سواء و اللّٰه الموفق و به المستعان

الفصل الثالث في (بيان وظائف الحاكم)

مادة (1800) الحاكم وكيل من قبل السلطان لإجراء المحاكمة و الحكم،،،

عرفت من مطاوي أبحاثنا السابقة ان القضاء و الحاكمية عندنا معشر الإمامية منصب الهي لا دخل له بالسلطان و لا بغيره ينصبه العدل و جامعية الشرائط و يعزله زوال بعض الصفات الركنية من العقل و العدالة و الاجتهاد فلا يتقيد بزمان و لا مكان بل له الحكم في كل مكان و كل زمان و حكمه لا يرد إلا إذا تبين عنده أو عند حاكم آخر خطوة أو تقصيره فينقض حكمه، نعم من الواجبات على السلطان العادل في زمن سلطانه و نفوذ أمره أن ينصب قاضيا حاكم لحسم الخصومات في كل بلد و لكن ليس معنى ذلك انه إذا نصب حاكما في بلد لا يجوز الترافع عند حاكم آخر جامع للشرائط نعم لو منع السلطان من الرجوع الى غير منصوبه لمصلحة سياسية جاز ذلك و حرم الرجوع الى غيره لانه حسب الفرض امام مفترض الطاعة، و يترتب

ص: 187

على ما ذكرنا ان الحاكم ليس له ان يستنيب في الحكم اي يجعل نائبا عنه قريبا أو بعيدا لعذر أو لغير عذر إذا كان النائب غير جامع للشرائط اما لو كان جامعا فلا حاجة الى النيابة لأهليته بذاته نعم له ان يوكل غيره ممن يعتمد عليه في بعض مقدمات الحكم مثل سماع شهادة الشاهدين الذين يعرفهما الحاكم و يعرف عدالتهما فينقل له نص شهادتهما و يعمل هو اي الحاكم بما تقتضيه الموازين، و عليه فأكثر مواد هذا الفصل لا محل لها على حسب أصول الإمامية و قواعدهم فإنه لا نصب و لا عزل و لا نائب و لا منوب و لا مجال للبحث في جملة منها خصوصا مثل ما في مادة «1811» يجوز ان يستفتي الحاكم من غيره عند الحاجة.

إذ ما وجه استفتائه من الغير بعد اعتبار كونه مجتهدا.

اما لو تنازع الخصمان فيمن يرجعون اليه لحل خصومتهم في بلد يتعدد حكامه فقد رجحت المجلة مادة «1803» الحاكم الذي اختاره المدعى عليه،،، و لكن المشهور عند فقهائنا ترجيح من يختاره المدعي و ربما يدعي عليه الإجماع عندنا لكونه هو صاحب الحق الذي له ان يدعي و له ان يترك، و ناقش السيد الأستاذ (قده) فيه بأن للمدعى عليه ان يسبق الى حاكم آخر بعد الدعوى و يطلب منه ان يخلصه من دعوى المدعي، و هي مناقشة واضحة الضعف، و اي معنى لطلب ان يخلصه من الدعوى قبل ان يدعي صاحب الحق و يشكل الدعوى عند حاكم و اما إذا شكلها المدعي عند أحد الحكام

ص: 188

فقد صار هو الأسبق و لزم على المدعى عليه الموافقة الا ان يرفضها الحاكم الأول و هو خارج عن الفرض، و التحقيق عندنا في هذا ان المدعي إذا سبق الى حاكم و رفع اليه دعواه فان وافقه المدعى عليه فهو و ان خالفه و اختار غيره فان كانا متساويين أو من اختاره المدعي اعلم و أشهر فلا إشكال في ان الترجيح لمن اختاره المدعي و ان انعكس الأمر لا يبعد ترجيح من يختاره المدعى عليه- هذا إذا سبق المدعي اما لو تنازعا قبل سبقه أو كانا متداعيين فمع تساوي الحاكمين يتعين الرجوع الى القرعة و الا فالترجيح للأعلم الأشهر فتدبره فإنه ثمين و متين.

مادة [1808] يشترط ان لا يكون المحكوم له أحد أصول الحاكم

أو أحد فروعه أو زوجته أو شريكه في المال الذي سيحكم به أو أجيره الخاص أو متعلقه الذي يتعيش بنفقته، بناء عليه ليس للحاكم ان يسمع دعوى أحد هؤلاء و يحكم له، اعلم أولا انه لا إشكال في ان الحاكم لو كان هو أحد الخصمين لم يكن معنى لإرجاع الخصومة اليه ليحكم فيها له أو عليه حتى بتوكل غيره للمرافعة فإنه مع مخالفته للذوق و الاعتبار خلاف الأدلة فإنها ظاهرة بل بعضها صريح في لزوم الرجوع الى الغير فلو كان هو شريكا في المال المتنازع عليه وجب الرجوع الى حاكم آخر، اما أصوله و فروعه اعني آباءه و أولاده صاعدين و نازلين و زوجته و أجيره الخاص و من يتعيش بنفقته فالاعتبار و الذوق بل و الدليل يساعد أيضاً على عدم صحة الرجوع اليه فيما لو كانت للغير مع

ص: 189

أحدهم خصومة إذا كان له ولاية خاصة شرعية كولايته على الصغار من فروعه أو عرفية كولايته على زوجته و أجيره لأنه يرجع ذلك الى نفسه اما لو كانت له ولاية عامة كولاية حاكم الشرع على الأيتام و المجانين الذين لا ولي لهم و الغائبين الذين لا وكيل لهم و الأوقاف المنحلة التولية ففيه لفقهائنا قولان- نفوذ حكمه لهم لما في الحديث من ان كل قاض ولي الأيتام، و ظاهر ولايته عليهم نفوذ حكمه لهم و قيل لا ينفذ لانه هو الخصم و الخصم لا يكون حكما، و فصل آخرون بين ما إذا كان هو الخصم فلا أو كان القيم أو الوكيل على شؤنهم قبل الخصومة غيره و لو من ذلك الحاكم فيجوز و القول بالنفوذ مطلقا قوي و التفصيل لا بأس به و هو أحوط، أما فروعه الكبار و أصوله و زوجته الذين لا ولاية له عليهم فلا دليل على عدم صحة الرجوع اليه لو كانت لهم أو عليهم خصومة سوى ما عرفت من الذوق و الاعتبار، ثم لو حكم لشريكه قالوا نفذ في حصة شريكه دون حصته و هو مشكل.

مادة (1812) يلزم على الحاكم ان لا يتصدى للحكم إذا تشوش ذهنه بما يمنع صحة التفكر كالغم و الغصة و الجوع و غلبة النوم.

هذا الشرط و ان لم يذكروه في عداد الشروط الركنية و لكنه مثلها في الأهمية و لو صدر منه حكم في حال من هذه الأحوال وجب عليه اعادة النظر فيه، كما انه لا يجوز التأخير في الحكم أو في النظر في الخصومة إلا لعذر مشروع كإعطاء القضية حقها من التأمل و الفحص

ص: 190

و لكن بنحو لا يؤدي الى الإخلال بالحقوق بالتاجيلات المتتابعة الموجبة لتضييع العمر و تعطيل اشتغال المتخاصمين كما نشاهده في هذه الأزمنة التعيسة، و كل ذلك تابع لمقدار المروة و الانصاف في الحكام و هما قليلان في الكثير منهم بل معدومان.

الفصل الرابع (فيما يتعلق بصورة المحاكمة)

مادة (1815) يجري الحاكم المحاكمة علنا و لكن لا يفشي الوجه الذي يحكم فيه قبل الحكم، هذا راجع الى نظر الحاكم ان وجد مصلحة في الإفشاء أفشى و الا فلا،، ثم ان باقي مواد هذا الفصل بعضها تقدم ذكرها و الباقي واضح لا تعليق عليه و كذلك مواد الفصل الأول من الباب الثاني و لا سيما مادة (1832) للحاكم ان يحكم بالبينة التي أقيمت في مواجهة أحد الورثة إذا غاب عن مجلس الحكم على الوارث الآخر الذي أحضر في الدعوى التي توجه خصومتها الى جميع الورثة و لا حاجة الى إعادة البينة،،، فإنها مع أنها مشوهة الصورة معقدة التعبير إلى الغاية قد تقدمت في المباحث السابقة فراجعها،،

ص: 191

الفصل الخامس في (بيان الحكم الغيابي)

ملخص المواد المذكورة في هذا الفصل ان المدعي إذا استدعى من الحاكم إحضار المدعى عليه طلب حضوره ان كان في البلد أو قريباً منه بان يحضر بنفسه أو بوكيل عنه فان امتنع يجبر و لو بتوسط السلطان على الحضور أو إرسال الوكيل فان لم يمكن إجباره ينذر ثلاث مرات بورقة دعوة مخصوصة فان لم يجب أفهمه الحاكم انه سينصب وكيلا عنه و ينظر ثم يحكم ثم ينصب الوكيل و ينظر في الدعوى و يحافظ الوكيل على حقوق من وكل عنه و يدافع عنه حسب ما يستطيع ثم يحكم الحاكم له أو عليه حسب الموازين و لكنه لا يخرج عن كونه حكما غيابياً له الاعتراض عليه و نقضه إذا حضر قبل تنفيذه هذا عند أرباب «المجلة» أما أصحابنا فبمجرد امتناعه و إصراره بعد الإنذار يسقطون حق حضوره و لا يلتزمون بنصب وكيل عنه بل ينظرها الحاكم و يحكم عليه بالحكم الغيابي و لكن ما ذكروه من نصب وكيل عنه حسن و موافق للاحتياط ثم يبلغ الحكم إليه فإن اعترض سمع و الا نفذ عليه الحكم ان لم يكن له دعوى صالحة لدفع الدعوى.

ص: 192

الباب الثالث في (رؤية الدعوى بعد الحكم)

مادة «1837» الدعوى التي حكم بها و اعلم بها موافقا لأصولها المشروعة- لا تجوز رؤيتها و سماعها تكرارا.

يعني لا يجوز طلب تجديد المرافعة لا عند ذلك الحاكم و لا عند غيره و لعل هذا متفق عليه في الجملة إنما الكلام في جوازه مع اتفاق الطرفين بين مجوز و مانع و الجواز أقرب لأن الحرام رد حكم الحاكم و تجديد النظر فيها ليس يرد، و لو ترافعا عند غيره لم يجب عليه البحث عن صحة ذلك الحكم و لكن يجوز له ذلك فان وجده صوابا أو لم يتبين خطؤه أمضاه ان كان يعتقد أهليته كما يجوز له إمضاؤه من غير فحص و لا يجوز له الا إذا علم علما قطعيا بفساده لمخالفته إجماعا أو نص أية أو خبراً متواترا صريح الدلالة و لا يجوز له نقضه في غير هذا و ان كان مخالفا لرأيه في المسائل الاجتهادية النظرية بل و ان كان مخالفا لدليل قطعي نظري كإجماع على طريقة الكشف أو خبر محفوف بالقرائن و الأمارات إذ مثل هذا يختلف باختلاف الانظار فرب شخص يستفيد العلم من امارة لا يستفيد الظن منها غيره فالحكم

ص: 193

استند إلى أمثال هذا لا يجوز نقضه، و منه يعلم مادة «1738» إذا ادعى المحكوم عليه بان الحكم ليس موافقا لأصوله المشروعة- و طلب استيناف الدعوى بحق الحكم فان كان موافقا- يصدق و لا يستأنف و مثلها (1839)- يدقق الإعلام فإن كان موافقا- يصدق و الا ينقض.

و تحرير هذا البحث ان الأصل المستفاد من العمومات و الأدلة القطعية ان حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يرد و ان الراد عليه راد على اللّٰه عز شأنه فيجب العمل به مهما أمكن حتى على الحكام الآخرين فضلا عن سائر المكلفين إلا إذا علم فساده و عدم مطابقته للأصول الشرعية فلو ادعى المحكوم عليه ان الحكم الذي عليه هو من هذا القبيل لا محيص من إجابته و رفع القضية إلى حاكم أو حكام آخرين لينظروا فيه و يفحصوه و يمحصوه فان كان موافقا يعذروه و الا نقضوه، و لعل الأول من قبل ما يسمى اليوم بالاستئناف و الثاني بالتمييز و كذلك لو ادعى المحكوم عدم أهلية الحاكم للحكم بفسق أو عدم اجتهاد أو تقصير في مقدمات النظر في الدعوى أو فسق الشهود في كل هذه الصور يصح المحكوم مدعيا و عموم البينة على المدعي يقتضي سماع دعواه فاما ان يثبتها فبنقض الحكم أو يعجز فيبقى الحكم على ما كان، هذا هو مقتضى القواعد و لكن منع بعضهم من سماع هذه الدعاوي استناداً الى ان فتح هذا الباب موجب للطعن في الحكام فيحصل فتق يعسر رتقه في الإسلام و هو معارض بان سده

ص: 194

أيضا قد يوجب غدرا في الحقوق و حيفا لا يمكن تلافيه و على تقدير السماع ففي دعوى عدم الأهلية يكون المحكوم له مدعيا و عليه إثبات الأهلية، و في دعوى الفسق أو الجور أو الخطأ و فسق الشهود فالمحكوم عليه هو المدعي و عليه الإثبات الا ان يكون هو الذي اختار ذلك الحاكم للمرافعة فيلزمه الالتزام بحكمه و حمله على الصحة كما انه لو دفع الدعوى قبل الحكم أو بعده و أثبت امرا يوجب سقوط تلك الدعوى يبطل الحكم طبعا كما في مادة (1840) يصح دفع الدعوى قبل الحكم و بعده الى آخرها.

و بقي في المقام أمر مهم لم تتعرض له المجلة و هو ما يترتب على تبين بطلان حكم الحاكم فنقول: انه إذا تبين بطلان الحكم فاما ان يكون قبل العمل به فلا شي ء و اما ان يكون بعده فان كان في حد من قتل أو قطع أو غيرهما أو في مال أو في عقد أو حل عقد (ففي الأول) إذا لم يكن مقصرا فلا قصاص عليه و يلزم الدية من بيت المال لتخير المشهود: ما أخطأت القضاة في دم أو قطع فعلى بيت مال المسلمين الا ان المحكوم عليه لو كان عالما بفساد دعواه و أغرى الحاكم بالحكم كان عليه القصاص للتسبب الذي هو هنا أقوى من المباشر، و في [الثاني] ان كان المال موجودا استرد و ان كان تالفا فان كان المحكوم له قد استهلكه ضمن، و ان كان غيره فمع علمه يضمن أيضا للتسبب أيضا و الا فقيل ان ضمانه على بيت المال و هو مشكل لاختصاص الخبر المتقدم بالدم و نحوه نظراً لقاعدة لا يطل دم امرء مسلم، و حينئذ لا ضمان

ص: 195

على المحكوم له و لا على الحاكم لعدم تقصيره حسب الفرض و هو مأذون شرعا، و خبر عبد الرحمن بن الحجاج في قضية ربيعة الرأي و قول الأعرابي له انه في عنقك و تصديق الامام الصادق سلام الهّٰ عليه للأعرابي و قوله «ع» كل مفت ضامن غير صريح بما نحن فيه بل لعل المراد منه المفتي المقصر كربيعة الرأي و الحاصل هو قضية في واقعة لا يمكن إطراء العمل به، و منه ظهر انه لو ثبت كون الحاكم مقصراً أو جائرا متعمدا في القضاء أو مقدماته كان الضمان عليه نفسا أو مالا- إلا إذا كان المحكوم له هو المباشر مع علمه فان الضمان عليه لان المباشر هنا أقوى من السبب، اما العقد فينفسخ و لو كان نكاحا فهو شبهة و الطلاق و نحوه يبطل و تعود الحالة الاولى اما لو كان الحكم في مال و كان مقصرا فمع وجوده يسترد و مع تلفه يتخير المحكوم عليه بين الرجوع على الحاكم لانه مسبب و على المحكوم له ان كان هو المتلف و على المتلف ان كان غيره.

الباب الرابع في (بيان المسائل المتعلقة بالتحكيم)

مادة «1841» يجوز التحكيم في دعاوي المال المتعلقة بحقوق الناس،،، قاضى التحكيم هو خصوص الحاكم الذي تراضى الخصمان على

ص: 196

حكمه مطلقا و تخصيصه بالمال لا وجه له بل لو تراضيا عليه في دعوى قتل أو عرض أو نكاح أو طلاق جاز بل أصل تشريعه في الكتاب المجيد في تخصم الزوجين و نشوز كل منهما أو أحدهما على الآخر فابعثوا حكما من أهلها و حكما من اهله،،، و قد اعتبر أصحابنا رضوان اللّٰه عليهم في قاضي التحكيم جميع الشروط في مطلق القاضي النافذ الحكم سوى التولية من الامام في أيام حضوره بسط يده حتى قال بعض اعلام علمائنا ما نصه: و اعلم ان قاضي التحكيم لا يتصور في حال الغيبة لأنه ان كان مجتهدا نفذ حكمه بغير تحكيم و الا لم ينفذ حكمه مطلقا إجماعا و انما يتحقق مع جمعه للشرائط حال حضوره عليه السلام و عدم نصبه- و قد تحرر من ذلك ان الاجتهاد شرط في القاضي في جميع الأزمان و الأحوال و هو موضع وفاق. و هل يشترط في نفوذ حكمه تراضى الخصمين به بعده قولان أجودهما العدم عملا بإطلاق النصوص انتهى.

و أقول ان هذا الكلام الأخير موضع عجب إذ بعد فرضه مجتهدا جامعا للشرائط فما معنى اعتبار رضاهما بحكمه بعد الحكم؟ فان حكم المجتهد نافذ على كل أحد و ان لم يتراضيا و يلتزما بالانقياد لحكمه فكيف و قد رضيا به و التزما بتحكيمه و لا معنى لتحكيمه الا التزامهما بالعمل بحكمه فتدبره و ان كان واضحا، و مما ذكرنا ظهر انه لا وجه على أصولنا لما في مادة (1842) حكم المحكم لا يجوز و لا ينفذ إلا في حق الخصمين اللذين حكماء- الى آخرها، بل لازم

ص: 197

فرضه مجتهدا جامعا فحكمه نفوذ حكمه على كل أحد كسائر أحكامه اما بقية مواد هذا الباب فهي صحيحة و واضحة،،، و اعلم ان ما ذكرناه في القضاء من المباحث تبعا للمجلة أو استدراكا عليها و ان كانت واسعة و جامعة و لكنها من باب التمثيل بالنسبة الى ما ذكره فقهاؤنا في المبسوط من مؤلفاتهم كقطرة من نهر، أو جرة من بحر، و قد بقيت أبحاث مهمة في الحكم و القضاء و الحاكم كقضية جواز أخذ الأجرة له أو الارتزاق من بيت المال، و احكام الشهادة و الشهود كشهادة الفرع و نحو ذلك لم نتعرض لها تبعا لإهمال المجلة لها، كما أنها أهملت بعض الكتب المهمة من المعاملات مثل كتاب القرض اى الدين، و غير المهمة مثل السبق و الريبة، و كان عزمنا عند الشروع في تأليف هذه المجموعة ان نتوسع في مباحثها و نستدرك ما فات المجلة على وجه مبسوط بحيث يكون مجموعة ستة أجزاء أو ثمانية و لكن ظروف الحرب القاسية، و أزمة الورق العانية بل أزمة كل شي ء هي التي حالت بيننا و بين ذلك العزم فقصرناه على أربعة أجزاء و قد عزمنا بتوفيقه تعالى و معونته ان تجعل لهذا الجزء الأخير ملحقا نستدرك به ما فان (المجلة) من الكتب المهمة العامة البلوى التي يحتاجها القضاة و المحامون و الحكام أشد الحاجة، و هي ما يسمونها اليوم «بالأحوال الشخصية» و ان لم يتضح وجه التسمية و لكنها جد جديرة بالعناية لعموم الابتلاء بها لعامة البشر و هي النكاح و ما ينضم فيه من الهور و العيوب و الأولاد و النفقات و غيرها و الطلاق

ص: 198

و ما يلتحق به من الخلع و المبارأة و الظهار و الإيلاء و العدد و غيرها و الوصية و الدين و الوقف كل ذلك على سبيل الإيجاز في مواد و فصول على نهج ترتيب المجلة- و هذا فراغ واسع كان في ثقافتنا و فقهائنا لعل الباري أراد ان يوفقنا لسده و القيام بما فيه الكفاية منه إن شاء اللّٰه و ما توفيقي إلا باللّه عليه توكلت و اليه أنيب

ص: 199

ص: 200

ص: 201

(استدراك) تقدم في مادة (1784) صفحة (179) من هذا الجزء و مادة (1786) ان الحكم عبارة عن قطع الحاكم المخاصمة و ذكرنا فيما سبق هذه المادة ان الحكم هو القول الصادر لحسم الخصومة و كلا التعبيرين غير سديد لأنهما يشعران بان الحكم

ص: 202

مخصوص بما تسبقه خصومة مع ان الحكم أعم من ذلك و لا يلزم في حقيقة تحقق خصومة معه كما في الحكم بالأهلة و النسب و الوقف في بعض فروضه و كثير من أمثال ذلك، فالأصح في الإشارة إلى حقيقة الحكم و جوهر معناه العام انه تشخيص موضوع أو وصف ذي أثر شرعي ممن له أهلية ذلك شرعا، فالحكم بالهلال مثلا تشخيص موضوع ذي أثر شرعي و هو ان اليوم المعين هو أول يوم من شهر رمضان فيجب على الناس صيامه أو انه أول يوم من شهر شوال فيجب عليهم إفطاره و يحرم صيامه، و كذا الحكم بان الشخص المعين هو ابن فلان فيرث كل منهما الآخر الى كثير من أمثال هذا مما لا خصومة فيه أصلا، و كذلك الحكم في موارد الخصومة كما لو حكم عن هذا المال لزيد و الدار لعمرو بعد التخاصم أو ان خالد مشغول الذمة لفلان بألف دينار و هكذا سائر موارد الخصومة و الحكومة فإن مرجع الجميع الى تعيين موضوع أو وصف موضوع سواء قارنه أو سبقته خصومة أم لا فتدبره جيداً

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.